محمد عبد القادر يكتب.. مساعيُ التسويةِ الماضيةُ لا تحتملُ “دفنَ الرؤوسِ في الرمالِ”: “الرباعيةُ قادمةٌ”.. فماذا أنتم فاعلون؟!!
محمد عبد القادر يكتب.. مساعيُ التسويةِ الماضيةُ لا تحتملُ “دفنَ الرؤوسِ في الرمالِ”
“الرباعيةُ قادمةٌ”.. فماذا أنتم فاعلون؟!!
لوِ استقبلتْ حكومتُنا بشقَّيها العسكريِّ والمدنيِّ من أمرِها ما استدبرتْ، لأعدَّتِ العدَّةَ لـ(طرحِ التسويةِ) القادمِ لا محالةَ، إذ لم يَعُد خافياً على أحدٍ أنَّ السودانَ سيكونُ هو التالي بعد “سلامِ غزَّةَ”، وأنَّ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ تُرتِّبُ لطرحِ رؤيتِها حولَ حربِ السودانِ قريباً بعد مساعٍ معروفةٍ للجميع..ستدخلُ واشنطن بالطبع عبرَ جهودِ “اللجنةِ الرباعيةِ” التي تجتهدُ هذه الأيامِ لإكمالِ سيناريو التسويةِ المشحونةِ بكثيرٍ من الهواجسِ والتساؤلاتِ التي يطرحُها الشعبُ السودانيُّ هذه الأيام.
للأسفِ الشديدِ ما زال الارتباكُ قائمًا، وظلَّ التعتيمُ وتغبيشُ الحقائقِ هو سيِّدَ الموقفِ في تعاطي الدولةِ مع هذا الملفِّ الخطير، وفي رأيي أنه ليس عيباً أن تتعاملَ الحكومةُ مع أيِّ طرحٍ يأتيها لإيقافِ الحربِ في السودان، العلةُ في أن تتلجلجَ في مصارحةِ شعبِها، وتتلكأَ في اتخاذِ التدابيرِ اللازمةِ للتعاملِ مع الطرحِ القادمِ على خطورتِه، والخللُ أن لا نُعدَّ العدَّةَ لإدارةِ الأزمةِ وفقَ سيناريوهاتٍ معلومةٍ وجاهزةٍ تقطعُ الطريقَ أمامَ أيةِ محاولةٍ لاختطافِ المشهدِ السياسيِّ بواسطةِ الخارجِ، وأن تتغافلَ ـ أي الحكومةُ ـ عن التخطيطِ بما يلزمُ من خطواتٍ سياسيةٍ وإجرائيةٍ تقطعُ الطريقَ أمامَ أيةِ محاولةٍ من أيةِ جهةٍ كانت لجعلِ الجنجويدِ وحاضنتِهم السياسيةِ جزءاً من مستقبلِ سودانَ ما بعد الحرب.
وحتى لا نتعاملَ مع الخطرِ القادمِ على طريقةِ النعامةِ بـ”دفنِ الرؤوسِ في الرمالِ”، فيلزمُ دولتَنا التفكيرُ المبكرُ وبشكلٍ جهيرٍ مع شعبِها عبرَ واجهاتِه وأحزابِه وقواه الحيَّةِ وإعلامِه في الترتيبِ لكيفيةِ التعاملِ مع مقترحِ التسويةِ القادمِ من الرباعيةِ، مخلبِ المجتمعِ الدوليِّ لإعادةِ الجنجويدِ إلى المشهدِ مرةً أخرى بعد دحرِهم ميدانيّاً وهزيمتِهم عسكريّاً وإفشالِ مخطَّطِهم لاستلامِ الحكمِ بالدمِ والبندقيةِ.
التعاملُ مع “تحركاتِ الرباعيةِ” في الخفاءِ لم يَعُد مقبولًا، ستنتبهُ الدولةُ في لحظةِ طوفانِ الحلولِ المستوردةِ، ولن تجدَ من يُجنِّبُها الغرقَ في تفاصيلِ المؤامرةِ الدوليةِ الكبيرةِ لتقويضِ السيادةِ الوطنيةِ وتسليمِ البلادِ مرةً أخرى للجنجويدِ وحلفائِهم السياسيين،لا يوجدُ وقتٌ للغتغتةِ والدسائسِ والتحركِ في الظلامِ وعقدِ اللقاءاتِ الخفيةِ وتمريرِ المقترحاتِ المريبةِ.
التواضعُ على استراتيجيةٍ سياسيةٍ وإعلاميةٍ للتعاملِ مع مقترحاتِ الرباعيةِ بات أمراً مُلحّاً ومطلوباً لتهيئةِ الرأيِ العامِّ واطلاعه بما تُخطِّطُ الحكومةُ لفعلِه..استصحابُ الشعبِ بواجهاتِه السياسيةِ والمدنيةِ فعلٌ مطلوبٌ اليومَ وليس غداً لإقرارِ مشروعٍ وطنيٍّ للتعاملِ مع مقترحِ التسويةِ رفضاً أو قبولًا، المهمُّ أن يكونَ كلُّ شيءٍ تحتَ الضوءِ وفقَ استراتيجيةٍ واضحةٍ وتواصلٍ مفتوحٍ بين الشعبِ والحكومةِ.
على الدولةِ التقدُّمُ لإقرارِ خطواتٍ استباقيةٍ تُقنِّنُ للانفتاحِ الذي ينشدُه العالمُ إجراءاتٍ سياسيةً وقانونيةً جريئةً وواضحةً تمهِّدُ الطريقَ إلى حوارٍ سودانيٍّ يقولُ كلمتَه، ويستوعبُ القوى الوطنيةَ الداعمةَ للجيشِ والمؤمنةَ بوحدةِ السودانِ أرضًا وشعبًا، والمنزَّهةَ عن العمالةِ والارتزاقِ.
على الدولةِ استصحابُ كافةِ المكوناتِ والكتلِ السياسيةِ وإطلاقُ حوارٍ يُعزِّزُ من فرصِ “سودنةِ الحلولِ”، وعليها كذلك تقويةُ الشقِّ المدنيِّ، ومنحُ حكومةِ الدكتور كامل إدريس مساحاتٍ أوسعَ للتحركِ باتجاهِ تعزيزِ الدولةِ القائمةِ على التوافقِ العريضِ المبنيِّ على تحصينِ السياجِ الوطنيِّ حتى لا تتسربَ أجندةُ المجتمعِ الدوليِّ الخبيثةُ.
زيارةُ رئيسِ مجلسِ السيادةِ الفريقِ أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى القاهرةَ أمسِ لم تكن ـ في اعتقادي ـ بعيدةً عن أجواءِ “سلامِ غزةَ”، ولا مقترحاتِ التسويةِ القادمةِ،لا بدَّ من التوقفِ عند تصريحِ وزيرِ الخارجيةِ والتعاونِ الدوليِّ محيي الدين سالم بعد لقاءِ الرئيسين البرهان والسيسي، والقائلةِ نصّاً بأنَّ “الجانبين تناولا اتفاقَ غزة–إسرائيل باعتباره خطوةً إيجابيةً تهيئُ لسلامٍ مستدامٍ في المنطقةِ يمكنُ البناءُ عليه لإيقافِ الحربِ في السودانِ”.
الرباعيةُ تقتربُ من السودانِ، فماذا ستفعلُ الحكومةُ لقطعِ الطريقِ أمام أجندتِها التآمريةِ الخبيثةِ؟!..والسؤالُ كذلك: إلى أيِّ مدى تملكُ دولتُنا سياسيينَ وعسكريينَ الإرادةَ الحقيقيةَ لإطلاقِ حوارٍ وطنيٍّ وعمليةٍ سياسيةٍ ومجتمعيةٍ تستصحبُ الجميعَ، وتضعُ السيناريوهاتِ اللازمةَ لمواجهةِ أمرٍ لا شكَّ واقعٍ؟
حفظَ اللهُ السودانَ وأهلَه.
* صحيفة الكرامة