* (خلفية تأريخية عن مراحل تطور الصراع القبلي في دارفور)
الصراع القبلي في دارفور كان موجوداً منذ القدم ، و تعود أسبابه الرئيسية إلى الإحتكاكات المستمرة بين المزارعين و الرعاة حول الأرض ، التدخلات الخارجية ، التدخلات السياسية ، سياسات الحكومات المركزية ، و قد ساعدت النزاعات في الدول المجاورة للإقليم و انتشار السلاح فيها إلى تغذية الصراع الذي مر بعدة مراحل يمكن تلخيصها باختصار شديد (أتمنى ألا يكون مخلاً) في المراحل التأريخية التالية :
أولاً : فترة ما قبل (الإستعمار) و هي الفترة الممتدة منذ بداية القرن السابع عشر و حتى سقوط سلطنة دارفور في 1916 ، و في هذه الفترة كانت الخلافات و الإحتكاكات يتم حلها عبر التقاليد و الأعراف المتوارثة بواسطة زعماء القبائل ..
ثانياً : فترة الإستعمار و هي الفترة الممتدة منذ سقوط السلطنة على يد الإحتلال البريطاني في 1916 و حتى الإستقلال في 1956 ، و خلال هذه الفترة كان الإحتلال يعتمد على زعماء القبائل في الإدارة المحلية و تحصيل الضرائب و غيرها الأمر الذي عزز من سلطة هؤلاء الزعماء و أدى إلى تنامي القبلية و كذلك ساعد في تطور النزاع حول الأرض ..
ثالثاً : فترة ظهور الحركات السياسية المطلبية و هي تمتد من نهاية الخمسينيات و حتى 1983 مثل (حركة اللهيب الأحمر ، جبهة سوني ، جبهة نهضة دارفور ، تنظيم أبناء غرب السودان ، و غيرها من التنظيمات و الحركات و على الرغم من أنها كانت تبدو قومية التكوين من حيث أنها تتحدث بإسم دارفور الإقليم إلا أن ظلال القبلية كانت تحيط ببعضها ..
رابعاً : فترة الجفاف و التحصر (1983 – 1984) في آخر سنوات حكم نظام مايو ، و هذه الفترة شهدت صراعاً عنيفاً بين المزارعين و الرعاة بسبب شح موارد و مصادر المياه و تقلص مساحات المراعي بسبب الجفاف الذي ضرب دارفور و كردفان ..
خامساً : فترة التنافس الحزبي (1985 – 1989) و هي الفترة التي تلت سقوط نظام مايو أو ما يعرف بفترة (الديمقراطية الثالثة) و كان التنافس فيها على أشده بين الحزبين التقليديين (حزب الأمة و الحزب الإتحادي) خاصة في دارفور و كردفان حيث النفوذ و الولاء التقليدي و للأسف فإن هذه الفترة هي أسست لصراع (عرب/زرقة) على الرغم من بغضب لهذا التصنيف إلا أنه للأسف أصبح جزءاً من القاموس السياسي ، و بناءاً على هذا الإنقسام قام حزب الأمة بتسليح المجموعات الموالية له (القبائل العربية) بدعوى حماية مراعيهم و ماشيتهم ، و قام الحزب الإتحادي بتسليح المجموعات الموالية له (القبائل غير العربية) بدعوى حماية أرضهم و زراعتهم !!
سادساً : فترة الإنقاذ و يمكن تقيسمها إلى عدة حقب زمنية :
الأولى ( 1989 – 2003) و قد شهدت هذه الفترة منذ بدايتها و حتى إندلاع التمرد المسلح في 2003 جهوداً حثيثة لفرض هيبة الدولة و تثبيت الأمن و الإستقرار و بناء السلم الإجتماعي و كان من أبرز إنجازاتها المصالحات بين القبائل ، نزع السلاح غير المقنن ، محاربة النهب المسلح الذي كان منتشراً في كافة أنحاء الإقليم ، إنطلاق مشاريع التنمية و توفير الخدمات (المدارس ، المستشفيات ، الجامعات ، بناء الطرق ، إنشاء المطارات ، و غيرها من المشاريع) التي اكتمل بعضها و توقف البعض الآخر بسبب إندلاع التمرد في 2003 .
و قد شهدت بداية هذه الفترة في العام 1991 محاولة إختراق للإقليم من قبل (الحركة الشعبية لتحرير السودان) بقيادة جون قرنق
التي عينت القيادي الإسلامي السابق داوود يحي بولاد مفوضاً سامياً لها في دارفور و أمدته بالسلاح و القوات و لكنه حركته وئدت في بدايتها ..
الحفبة الثانية (2003 – 2013) و التي شهدت إندلاع تمرد مسلح في دارفور ضد الحكومة المركزية الذي بدأ بتأسيس بحركة عبد الواحد محمد نور في 2002 بمساعدة من (الحركة الشعبية لتحرير السودان) ، و لكن سرعان ما خرجت منها (حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي) التي أعلنت هي و (حركة العدل و المساواة بقيادة الدكتور خليل إبراهيم) التمرد المسلح ضد المركز ، و بالفعل فقد بدأتا في تنفيذ عمليات عسكرية كان أبرزها عملية مطار الفاشر في الخامس و العشرين من أبريل 2003 و نتج عنها تدمير و حرق عدة طائرات مدنية و عسكرية كانت رابضة في المطار .
إستمرت الحرب سجالاً خلال هذه الفترة بالتوازي مع مبادرات و محاولات عديدة للوصول إلى سلام يوقف الحرب في الإقليم
حيث توقيع إتفاقية سلام مع (حركة مناوي) بالعاصمة النيجيرية أبوجا في الخامس من مايو 2006 و لكنها إنتهت بعودة الحركة إلى التمرد مرة أخرى متهماً الحكومة بعدم الإلتزام بتنفيذ الإتفاقية ، و في 2010 وقعت بالدوحة إتفاقية وقف العدائيات بين الحكومة و حركة العدل و المساواة ، ثم أعقبها توقيع إتفاق الدوحة في يوليو 2011 بين الحكومة و حركة التحرير و العدالة بقيادة الدكتور التيجاني سيسي و التي تأسست في فبراير 2010 و أبرز قياداتها من المنشقين من حركات أخرى .
و يحمد لحركة التحرير و العدالة أنها أكملت تنفيذ إتفاقية الدوحة مع الحكومة حتى نهاية
أجلها في أبريل 2016 و لعل ذلك مرده إلى أمرين اولهما جدية و التزام الوسيط القطري و شخصية دكتور التيجاني سيسي الملتزمة و المنضبطة ..
الحركات غير المنضوية لإتفاقية الدوحة واصلت القتال ضد الحكومة المركزية خاصة حركتي العدل و المساواة و حركة جيش تحرير السودان بالإضافة إلى حركات أخرى صغيرة ..
الحقبة الثالثة (2013 – 2019) و هي الحقبة التي سهدت تكوين قوات الدعم السريع كقوة منفصلة بعد أن كان أفرادها يتبعون لقوات حرس التابعة للإستخبارات العسكرية بزعامة الشيخ موسى هلال ناظر قبائل المحاميد بإشراف ضباط من القوات المسلحة .
تكوين قوات الدعم السريع في 2013 جاء لمواجهة النتائج التي ترتبت على إستمرار التمرد في الإقليم ، و قد أدى نشاطها العملياتي إلى إنحسار رقعة التمرد و كانت معركة قوز دنقو في أبريل 2015 هي أبرز عملياتها ، و التي وصفت بأنها كانت بمثابة تدمير كامل لقوات حركة العدل و المساواة .
و كنتيجة لذلك صعد نجم الدعم السريع و قائده محمد حمدان دقلو (حميدتي) ..
في العام 2017 أجاز المجلس الوطني (البرلمان) قانون قوات الدعم و التي أصبحت قوة شبه مستقلة لكنها تخضع لقانون القوات المسلحة ، و بالإضافة إلى دورها في التصدي للتمر د في دارفور فقد كلفت القوات بمكافحة التهريب ، و مكافحة الهجرة غير النظامية العابرة للحدود السودانية الغربية ..