سودانيون

نايلة علي محمد.. تكتب ..زاوية خاصة .. مبارك الفاضل.. بين جنون السلطة وإرتداء الكدمول

ما من شيء يثير السخرية في السياسة السودانية أكثر من مبارك الفاضل ، ذلك السياسي الذي خسر كل أوراقه ، فبات يقفز من موقف إلى آخر كما يقفز الغريق بحثاً عن طوق الخلاص ، رجل لم يترك للثبات ملامح ، ولا للكرامة أثراً ، إذ أن سجله السياسي المُثقل بالتناقضات والانتهازية جعله اقرب للتهكم الشعبي منه إلى رجل دولة.

مع بدايات الح ر ب ، خرج علينا الفاضل مرتدياً عباءة الوطنية ، يتحدث عن ضرورة الوقوف مع الجيش الوطني وعن ضرورة صد تم رد ملي شيا آل دقلو الإره ابية ، فظن الناس لأول وهلة أن الرجل قد راجع نفسه ،  وأن السنين أكسبته شيئاً من التوازن السياسي ، لكن سرعان ما انكشف المستور ، وتحول ذاك الوطني إلى مهادن ومغازل للملي شيا ، ثم إلى ناطق غير رسمي لروايتها ، بل لم يتبق له سوى ارتداء الكدمول ليكتمل المشهد.

حج إلى الإمارات مؤخراً ، وهناك قدم فروض الولاء والطاعة ، وتبنى رواية الملي شيا الكاذبة التي تزعم أن الإسلاميين أطلقوا الرصاصة الأولى في الحرب ، يا للعجب وهو الذي يعلم أكثر من غيره أن الأجنّة في بطون أمهاتهم شهدوا على تحركات الملي شيا في مروي ، هل نسي المشاهد التي التقطتها كاميرات الملي شيا نفسها وهي تنقل العتاد الثقيل من الزرق إلى الخرطوم ، هل نسي من حاصر القاعدة الجوية في مروي ومن نشر الرعب في الأحياء السكنية قبل حتى أن تشتعل الشرارة.

تحول الفاضل لم يكن مجانياً ، بل جاء بعد أن فشل في إقناع قيادة الجيش بتعيينه رئيسًا للوزراء ، وعندما لم يجد لنفسه موطئ قدم داخل مربع القرار ، هرول إلى خارج الحدود يبحث عن ركنٍ دافئ في أجندات الخارج ، لعله يجد هناك ما لم يجده في الداخل.

من الأمثال الشعبية السودانية ما يطابق الحالة المتاخرة لمبارك الفاضل ولعل المثل الشعبي” الما بلقى الدلو، يغرف بي القُفّة. ” يشبه موقف الرجل ،فقد فشل الرجل في الظفر بموقع رسمي ، فلجأ لحمل قفة الملي شيا ، يروّج لرواياتها ، ويتحدث باسمها ، ويبحث من خلالها عن موطئ قدم ولو على ركام وطن.

تصريحاته الأخيرة التي زعم فيها أن الولايات المتحدة وحلفاءها يعكفون على صياغة اتفاق جاهز للتوقيع تثير الغثيان أكثر مما تثير الدهشة ، أي اتفاق هذا ، ومن سيفاوض من، ومن يمثل من، والأهم كيف يكون الاتفاق جاهزاً ، وصاحب الشأن السودان غائب عن طاولة التفاوض.

لا يهم مبارك الفاضل إن كان الاتفاق حقيقياً أم صورياً ، فكل ما يهمه هو أن يظهر في الصورة ، أن يكون جزءاً من أي مشهد حتى وإن كان رديئاً ، لقد أعمى الهوس بالسلطة بصيرته حتى بات يلهث خلف السراب ، يتعلق بقشة قد لا تنقذه من الغرق لكنها تُشبع له خياله.

إن السودان اليوم ليس دولة هشة ليقرر في شأنها من كان سبباً في إشعال الفتنة ، وليس وطناً بلا ذاكرة حتى يُخدع مرة أخرى بمن خانوه بالأمس ، وجاؤوا اليوم متلفحين بعباءات التسوية.

مبارك الفاضل وغيره ممن احترفوا التنقل بين المواقف ، لن يجدوا لهم موطئ قدم في سودان المستقبل ، فالسودانيون باتوا يعرفون جيداً من خانهم ، ومن وقف إلى جانبهم ، ومن ارتدى ثوب الوطنية في النهار وسلّم مفاتيح الوطن للملي شيا في الليل…لنا عودة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.