محجوب فضل بدری… يكتب.. سياحة مع قصيدة الشيخ حياتی
-بمناسبة حلول العام الهجری الجديد أعاده الله علی أمة الإسلام والمسلمين باليُمن والخير والبركات ندعوكم لهذه السياحة الروحية مع قصيدة من ديوان الشيخ محمد حياتی إبن الشيخ حمد العربی المولود فی أم ضواًبان وجده لأمه الشيخ محمد ودبدر، وهو من أبرز شعراء المديح النبوی فی السودان،وتعتبر قصيدته (نِمْ يافمی ليهم بَشَكِّرَ السادات أصحاب الرسول الشققو الخودات) من القصاٸد القليلة التی أدَّاها أولاد حاج الماحی،من خارج ديوان حاج الماحی، بإنتاجه الضخم وبإيقاعات المديح المتعددة،من المربع والمخبوت والمعشر والحربی والدقلاشی وغيرها. والقصيدة التی نحن بصددها تُٶدَیٰ بإيقاع الحربی أی العَرْضَة وهو ايقاعٌ حماسی كما نعرف، يبدأ حياتی قصيدته بالدعاء لنفسه وللمسلمين ويتوسل بأسماء سور القرآن الكريم فيقول:- يامُحیِّ الرُفات وداحِیَّ الآفات
ندعوك بالقلاقل ثمَّ والقافات.
بالكرسی وبی يس وبالصافات.
بی عين الرضا أنظرنا وامْحَ الفات.
واكفينا الهموم فی الدنيا والآفات.
والكيد والفقُر والأعين الخاطفات.
وأمِّنَّا بيك من لوعة الخوفات.
وأشرح صدری بالسورة أُم تِسِعْ كافات.
وهی سورة الشرح وقد تكرر فيها حرف الكاف تسع مرات،والقلاقل هی السُور المفتتحة بقوله تعالیٰ بكلمة(قُلْ)وتتجلی ثقافة الشيخ حياتی القرآنية فی كلمات القصيدة وهو يستلهم ويقتبس المعانی من الكتاب الحكيم الذی لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميد، فيقول:اكتب لی النجاة يوماً(حُفاة وعُراة) وسكِّنِا مقاماً عالی (الغرفات) وفی مقطع آخر يقول رحمه الله: غفران الذنوب فی (اللوح) سبق لينا، فايزين(آمنين) فی الباقی شِن لينا،مادام (عليين)والفيها زيق لينا و(الولدان) صفوف واقفين حوالينا، و(الحور الحِسان عُرُباً) تخالينا،نُكرَم بالشُهُود عالينا تالينا. ای السابقين واللاحقين.
وفی موضع آخر من القصيدةويُبَشِر المسلمين كافَّةً فيقول:
ياقوم الرسول ايامكم انبسطن،وايام النَحِس من طيبهن سَقَطَنْ، (كنتم خير أمَّة،أمَّةً وسطاً)ثابت فضلكم ما بيتلحق فَقَطاً،والخير فيكمو مابيتحسب بالطنْ،اعمالكم علی اعمال القبيل فَرَطَن، أسماكم أعَزْ منهم واعزْ نمطاً،إن رامو لِماكُم منهمو غلطاً، حِيْثْ انو الرسول ليكم ستار وغُطَاً،هُوْ الضامن لكم مهما عملتو خَطَاً.
غطاً أی غطاءً،وخطاً أی خَطَأً وهذا تسهيل الهمزة فی علم القراءات وهی الإسقاط والإبدال والتسهيل والنقل،وفی فن التجويد ظهر الشيخ حياتی علی نظراٸه فی الإستفادة من أحكام النون الساكنة والتنوين إظهاراً وإخفاءً وإقلاباً وإدغاماً بِغُنَّةٍ وبغير غُنَّة،كما فعل فی هذه القصيدة وغيرها من قصاٸدة التی يمزج فيها العاميَّة بالفصحیٰ،عندما قال:
ماهِیَ للأسف ما عندهاش(بَخْتاً)
مادام ما رأيت مكة ورِكِب(بُخَتَاً) وهذا من الجناس فالأولی عامية بمعنی الحظ والثانية فصيحة بمعنی النياق وقد إستَلَها حياتی من الحديث الشريف فی ذم المتبرجات فقال: (رٶوسهن كأسنِمَةِ البُخت العجاف) مثلما يبرع فی إستخدام مفردات غير عربية مثل كلمة(طن) عندما قال:والخير فيكمو ما بيتحسب بالطن،أو مثل كلمة(كردون)وهی الحراسة الأمنية الصارمة إذ يقول: عقبان فی الوطن لا استنیٰ لا إتْكردَنْ.
أی لا أُحْبَس، وربما تُنطق إتْكرتَنْ،بمعنی الكرنتينة وهی الحجر الصحی، ويُلاحظ المفردة العامية المصرية فی قوله (ماعندهاش) ولم يغفل الشيخ حياتی فی دعاٸه واجب إكرام الضيف فقال:
أستر عرضی فی (الكبسة) الضيوف إن جات.
قد يكون قصد بالكبسة الطبق السعودی الشهير أوقصد المفاجأةبكثرة الضيوف أو إنه قصد (القُبسة) وهی ظلام الليل الحالك ومن المفردات الموغلة فی العامية،تغنينی بيك أثبت بلا لوجات. لُوجَات جمع لُوجَة وهی الإضطراب،قال حياتی متمسكاً بنهج سلفه الصالح:
سَلِّكْنِی طريق الآباء لا الخوجات.
والخوجة هو المدرس فی التركية،ولعل الشاعر يوسف التِنَی قد نظر فی هذا المعنی
عندما قال: ما بَخُش مدرسة المبشر عندی معهد وطنی العزيز. وقد حفلت قصيدة حياتی بمفردات لم تكن فی شعر غيره مثل كلمات: نَمَط فَقَط قطعاً أَزِمة أيكة أذعن أمعن الهيجاء البَتَّار نبرة لَحَن شَحَن وتجد فی القصيدة كل فنون البلاغة والبديع من الجناس والطباق والمقابلة والسجع، وختم حياتی قصيدة الطويلة بالدعاء علی الكافرين بالبقاء فی جهنم خالدين تلفح وجوههم النار فقال نيران الغضب فی وجوههم كَشَحَن، وهذه القصيدة الراٸعة لا يستوعبها مقال ولابد إن اساتذتنا الأجلاء قد قتلوها بحثاً،لكننی استميحهم العذر فی إقحام نفسی فی مجالهم محبةً وقد قال الشيخ العبيد ود بدر (الماعنده محبة ما عندو الحبَّة) وكل عام وانتم بخير