سودانيون

الركابي حسن يعقوب.. يكتب..الملي ش يا و (تقدم) .. إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق

تعتبر الأمثال ومفردها (مَثَل) ظاهرة متميزة كونها انعكاس مباشر لحياة الشعوب والأمم وخلاصة تجاربهم وحكمة أسلافهم، وتعبر عن حال حياتهم شقاءاََ ونعيماََ، حزناََ وفرحاََ، و الأمثال هي من أرقى فنون الكلام بلاغة وفصاحة، وأكثرها إيجازاََ وانتشاراََ، وأفصحها تعبيراََ عن هُوية المجتمع وثقافته وتبياناََ لما استعصى واستشكل من معاني.

وقد كان للعرب نصيب كبير وموروث ضخم وغني من الأمثال، كونهم كانوا أهل فصاحة وبلاغة وبيان، لذلك فإن القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى حفل بالأمثال البليغة ضربها الله للناس لتبيين المعاني والصفات حتى ترسخ في العقول وتقر في القلوب.

أحد الأمثال المأثورة عن العرب قولهم (إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق)، بهذه الصيغة، وهناك صيغة أخرى هي (إذا اختلف اللصان ظهر المسروق) وهو يؤدي نفس المعنى، وإن كان الأول أبلغ وأفصح.

هذا المثل يصدق على حال تحالف مل يش يا الدعم الس ريع الإره ابي ة ومجموعة (تقدم) هذه الأيام ويصف بدقة ما انتهى إليه هذا الحلف من تصدع وشقاق وتخاصم واختلاف،من بعد قوة واتفاق.

وأول وجه من وجوه انطباق المثل على هذه الفئة المارقة الضالة الباغية حرفياََ هو صفة (اللصوصية).
فهذه الفئة الباغية تواثقت وتعاهدت بليل على (سرقة) السلطة ومن ثم تقاسمها فيما بينهم، ومثلما يفعل اللصوص فقد اجتمعوا بعيداََ عن أعين الناس للتخطيط والتدبير لكيفية القيام بالسرقة بنجاح ووزعوا الأدوار وهم يتخافتون، فأوكلوا الدور القتالي للملي ش يا، وعهدوا بالدور السياسي لمجموعة (تقدم) لتكون ظهيراََ مدنياََ للملي ش يا، وغدوا على حردٍ قادرين.

ومثلما ينشط اللصوص في إثمهم باصرار على تنفيذ خطة السرقة والسطو، فقد قامت الملي ش يا بدورها الموكول لها باقتحام بيت الضيافة مستخدمة معول هدم (بوكلن) كان قد جلب وأخفي وهذا ما يفعله اللصوص إذ يستخدمون معاول للحفر والهدم لكسر وتحطيم الجدران، معتمدين في ذلك على عنصر المباغتة (الغدر) تماماً مثلما يفعل اللصوص.

لكن ولأن اللصوص دائماً (يتمتعون) بغباء لا مثيل له فهم يخططون للسرقة بما يرونه وما يرغبون فيه فقط دون حساب لما قد يطرأ من الطواريء والعوارض التي قد تعترض خطتهم (تفكير رغائبي)، فقد وضعت الملي ش يا وحليفتها (تقدم) خطتها دون حساب لردة الفعل من جانب الجيش وكانت هذه بمثابة (كعب أخيل) الذي أفشل عملية السرقة وقوض الخطة من أساسها.

هجمت الملي ش يا على بيت الضيافة مقر إقامة البرهان لق تله أو (القبض عليه) ليخلو لهم وجه السلطة ويكونوا من بعدها حكاماََ متسلطين، هجموا كما يهجم اللصوص تتنازعهم نوازع الخوف والطمع، الخوف من عواقب الفشل، والطمع في المسروق، وهي ذات النوازع والحالة النفسية التي تنتاب اللصوص وهم يهاجمون هدفهم.

وهي حالة تمنحهم قدراََ كبيراََ من العنف والشراسة لكنها مؤقتة بحدود التحدي الذي يواجهونه، وتزول بزواله.

كان هجوم المل يش يا في اللحظة الأولى منه عنيفاََ وشرساََ، وبالمقابل كان دفاع حرس الرئيس البرهان عنه أشد عنفاََ وشراسة يدفعهم دافع الأمانة والحرص على حفظها والبر بقسمها تملؤهم الثقة وتثبت أقدامهم لرد العدوان تماماً كما يفعل صاحب البيت حين يدهمه اللصوص، وهذا هو الذي صنع الفرق، وحال بين أفراد المل يش يا وبين ما يشتهون.

قدم أبطال الحراسة الرئاسية مثالاََ في الشجاعة والثبات والبسالة والجسارة ستكون مادة متوهجة تدرس في المؤسسات العسكرية والأمنية كحالة فريدة متميزة ونادرة.

وتكسرت الخطة المعدة للسرقة واستيقظ الناس على دوي المدافع وأزيز الذخائر وانكشف المستور وافتضح أمر اللصوص مع تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

فأشعلوها ح روباََ لما استيئسوا من خطة السرقة، سرقة السلطة، وخلصوا نجياََ إلى نشر الخ راب والدم ار وتحويل البلاد إلى ساحة ح ر ب لم يعدوا لها مبرراتها، فقالوا لما سُقِط في أيديهم أنهم فعلوا فعلتهم التي فعلوها من أجل (جلب الديمقراطية والمدنية)، ولسان حالهم يقول كذباََ وزوراََ (إنما نحن مصلحون).

ومع طول أمد الح ر ب وتتابع اله زائم عليهم ودك حصونهم من قبل الجيش والقوات المتحالفة معه، وهلاك رؤوس الفت نة فيهم من قياداتهم وفرار بعضهم واختفاء البعض الآخر، وتيقنهم من أن مصيرهم إلى فناء، بدأت دابة الخلاف تدب فيهم وتأكل بنيانهم من القواعد.

ولأن الحلف مبني على الخيانة والغدر فقد بدأ يتداعى ويتصدع وأطل الخلاف برأسه بالتلاوم والاتهامات المتبادلة مابين الطرفين كلاََ يرمي الآخر بالتسبب في الفشل، وتحول التلاوم إلى تخاصم.

والتخاصم أفضى إلى نشر الغسيل القذر وكشف الأسرار، وخبايا المؤامرة وظهر المسروق، حين خرج واحد منهم من (العارفين) ببواطن تآمرهم ومن المشاركين معهم في إثمهم و شاهداََ على جرمهم ليزيل الغطاء عن قبو لجنة إزالة التمكين ففاحت منه روائح فساد نتنة مارستها اللجنة بمباركة وتأمين من حمدوك كبيرهم الذي علمهم السحر ودلاهم إليه بغرور.

ملف جنائي كامل متكامل من الفساد وكل أنواع الج رائم والمخالفات والتعدي على المال العام والخاص والابتزاز والسرقة والنهب والتدليس وطمس الحقائق وتهريب موارد البلاد والتزوير والتزييف والزج بالأبرياء في غيابت السجون حتى الموت ووو. إلخ من موبقات تمت ممن أؤتمنوا على البلاد والعباد تجعلهم أقرب إلى زعماء العصابات منهم إلى رجال الدولة.

ومع تلاحق انتصارات الجيش والقوات المتحالفة معه على المل يش يا، ومع تنامي شعبية الحكومة وتراجع التأييد للملي ش يا حتى من قبل حواضنها الاجتماعية ومكوناتها الإثنية، وتبرؤ عدد من المستشارين التابعين لهم منهم وانسلاخ بعضهم وعودتهم إلى الصف الوطني، وانشقاق عدد من القادة الميدانيين إزداد ظهور (المسروق) واتسعت شقة الخلاف هذه المرة وسط الحاضنة السياسية للملي ش يا (تقدم)، فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى.

قال بعضهم نشكل حكومة منفى نضاهي بها (حكومة بورتسودان) لننزع عنها الشرعية ونعزلها عن المحيط الدولي بزعمهم.
وقال فريق منهم لا، لا نشكل حكومة منفى لأن ذلك غير عملي ولا نستطيع معه فعل شيء وسينتهي بنا إلى لا شيء وتموت (القضية).

وقالت الملي ش يا لما رأت تشاكس جناحها السياسي واختلافهم بشأن حكومة المنفى، أن الحل عندها هو تشكيل إدارات مدنية في مناطق سيطرتها أو ما يسمونها ب (الأراضي المحررة)، فسُقط في أيدي زعماء (تقدم)، فهذا المقترح سيزيح ما تبقى من ورقة التوت عن سوءتهم ليتبين للناس أنهم حلفاء للملي ش يا ويكشف المتعاونين معها في تلك المناطق فضلاََ عن أنهم سيكونون تحت رحمة وإمرة عساكر الملي ش يا وقادتهم الأجلاف الجهلة ويضعونهم في مواجهة مع أهاليهم، هذا إذا هم قبلوا المقترح، وأما إذا رفضوه فهم يعلمون عواقب ذلك.

وبسبب ذلك احتدم الخلاف وتوسع بين الملي ش يا وجناحها السياسي، بدأ مكتوماََ ثم ما لبث أن خرج إلى العلن، إلى ساحة السوشيال ميديا وهذه المرة تولى الأمر أحد المقربين إلى قيادة الملي ش يا وخَزَنَة المال والقائمين على إدارة أعمال واستثمارات الملي ش يا ويسمى (الفاضل) وما له من إسمه مثقال ذرة من فضل أو فضيلة كان حلقة وصل وساعي بريد بين صبية وناشطي (تقدم) وبين سادتهم وكبرائهم.

خرج هذا الساعي في (لايفات) يبث من خلالها الفضائح وما روي من الأسرار حين استفزه وصف أحد أقطاب (تقدم) للمل يش يا بأنها (ملي شي ا) وقد صدق في ذلك وهو كذوب. ورماها بحق بأن ما تقوم به هو فظائع وجرائم وأنكر عليه إظهار العطف و(الحنان) على أهل قريته.

فأخذ الساعي يكشف الاغطية ويحدث الناس بحرقة عن مخازي حلفاء الأمس ووضاعتهم وقلة شأنهم وهوانهم وتسولهم وإلحافهم في تكفف سادتهم وطلبهم المتكرر للمال وعدم تورعهم في (كشف الحال) ولم ينسى أيضاً أن يكشف ممارساتهم غير الأخلاقية وانحرافاتهم السلوكية وانغماسهم في الشهوات.

إنه موسم الفضح العظيم حيث يجوز في فقه هؤلاء الأوباش الذين اجتمعوا على الضلالة والفسوق والعصيان أن يكشفوا الستر ويبذلوا أسرار بعضهم البعض رخيصة على فضاءات الميديا مصحوبة بالشتائم والسباب كما تفعل البغايا حين يشتجر بينهن الخلاف.

أخرج لصوص السلطة (المسروق) كله.. لم تغادر أفواههم وألسنتهم صغيرة ولا كبيرة من أسرار المخطط إلا وأحصوها وقذفوا بها إلى العلن من الألف إلى الياء، نكاية ببعضهم البعض وكذلك يفعل اللصوص.

وفي غمرة انشغالهم بفضائحهم نسوا قواتهم وجنودهم في مواقعهم وتركوهم لقمة سائغة وحصيداََ لنيران الجيش غير آبهين بهم فقد بعدت بهم الشقة وتبدد حلمهم بالإمساك بدفة السلطة والحكم ونضبت مصادر المال لشراء الذمم واستجلاب المرت زقة ومق اتلي الدفع المقدم، وهلك آلاف المق اتلين من أبنائهم ولم يبقى منهم (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا).

إنه ثمن الخيانة وضريبة الغدر وعاقبة المكر السيء، والطمع وبطر المعيشة ونهب ممتلكات الناس ومصادرة حقوقهم وظلمهم والتنكيل بهم وقولهم بلسان الحال (من أشد منا قوة)، أورثهم كل هذا الخزي المتراكم،و الهزائم المتتالية، والصغار عند الله وعند الناس وما ينتظرهم يوم لا ينفع مال ولا بنون أكبر وأدهى وأمر.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.