سودانيون

يوسف عبد المنان يكتب.. خرج النص: “لو شفتينا يا آمنة…”

خارج النص

يوسف عبد المنان

“لو شفتينا يا آمنة…”

لماذا تذكّرتُو مع تعيين أول امرأة في منصب محافظ البنك المركزي، السيدة آمنة ميرغني، قصة آمنةٍ أخرى؟

آمنةٌ كانت مصدر إلهام لرجلٍ يقبع في السجن، كما نقبع نحن في وطنٍ صار هو الآخر سجنًا كبيرًا.

آمنة تلك، ألهمت فارسًا وشاعر دوبيتٍ شهير؛ فهل تُلهمنا آمنة ميرغني الصبر على ما نحن فيه اليوم؟

من بادية السافل وديار دار حامد، غرد شاعرٌ ونهابٌ يُدعى تيراب، قُبض عليه في قضية نهبٍ وقتل عشرة من رجال الفزع، وأُودع سجن الدلنج، وهو من أشهر السجون في السودان.

ومن هناك أنشد يقول:

> “لو شفتينا يا آمنة… من ظهراً كبير،

قام المجوس لتمامنا.

ما بنموت لو اليوم بقى ما يومنا،

وما (بنفز) حتى بنوت القبيلة تسومنا.”

ليت المترجم كان دقيقًا، حتى لا تمضي به الأهواء بعيدًا عن مقاصد التعلّق بعنق “الأنثى” في هذا الزمان؛ فليس هو تعلقَ حبٍ وهيام، بل تعلق آمالٍ في التغيير والإنقاذ.

وحين تغيب المؤسسات، أو تُغيب نفسها، تصبح آمال الشعوب معلّقة على أعناق الرجال — بالمعنى المجازي للرجل — لأننا الآن في السودان صرنا نعلّق آمالنا على ثلاث نساء ورجلٍ واحد.

أما النساء الثلاث فهنّ:

  1. آمنة ميرغني – محافظ البنك المركزي.
  2. النائب العام.
  3. وزيرة شؤون مجلس الوزراء.

أما الرابع، فهو معلوم بالضرورة، ذاك الذي جاء بهنّ إلى هذه المواقع الرفيعة التي طالما فشل فيها الرجال.

قصة آمنة ميرغني، بعيدًا عن المادحين الذين يرجون خيرًا بقربها، أو الناقمين الساخطين الذين بدأت حربهم عليها لأنها امرأة، تبقى قصة كفاءةٍ ومقدرةٍ وسجلٍ ناصع جعلها تتنقل من موقعٍ إلى آخر كالفراشة بين الأزهار.

لكن خصومها — من أتباع النظام البرعي البائد — لم يجدوا ما يواجهونها به سوى اتهامٍ سخيف: أن حميدتي كان يقربها حين كانت مديرًا لمطابع العملة!

وليس في ذلك ما يعيبها، فسواء صحت الرواية أو لم تصح، يبقى تعيينها انتصارًا للمرأة السودانية وارتقاءً بمستوى مشاركتها في قيادة الدولة، بما يفوق كل التوقعات.

وربما بهذا التعيين يتقدم السودان على سائر البلدان العربية والإفريقية في تمكين المرأة؛ إذ لم تبلغ أغلبها بعد مرحلة تكليف امرأة بمنصب محافظ للبنك المركزي.

بل حتى في اجتماعات مجلس محافظي صندوق النقد الدولي، قد لا تجد آمنة ميرغني نظيرةً لها، فى وحشة ليالي نيويورك… وتلك قصة أخرى لها ما بعدها.

غير أن آمالنا المعلّقة في عنق آمنة ميرغني أكبر من الرمز والموقع.

نريدها أن تعيد لنا عملةً واحدةً في وطنٍ واحد، بعد أن تركنا برعي صديق في وطنٍ واحدٍ بعملتين:

إحداهما “مبرّئة للذمة” في الخرطوم، وأخرى “غير مبرّئة” في شندي وعطبرة!

اختلال لم يشهده السودان من قبل، ولم يستطع بنك السودان أن يجيب الناس:

هل قرار تبديل العملة كان سياسيًا أم اقتصاديًا؟

ثم جاءت عاصفة الذهب لتطيح ببرعي من منصب المحافظ، كما أطاحت من قبل بالمرحوم عبدالوهاب عثمان (بادي أبوشلوخ) من وزارة المالية.

وجوهر القضية التي ينتظر الشعب السوداني أن تقول فيها السيدة آمنة كلمتها هو:

هل يصبح بنك السودان وحده — لا شريك له — المصدر الرسمي لذهب السودان لتعود المليارات إلى الخزينة العامة؟

أم تظل الشركات الخاصة تُصدر عبر المنافذ الرسمية والأبواب الخلفية تحت لافتة “التهريب”؟

لكن هذه الشركات لها نفوذ، ومن ورائها قططٌ سمنت حتى لم تعد تقوى على السير!

أمام هذه التحديات، ننتظر الإنقاذ من امرأةٍ اسمها آمنة ميرغني،

امرأة قد تُلهمنا الصبر، كما ألهمت آمنة الأخرى شاعر الدوبيت تيراب أجمل قصائد الجمال والإشراق والبهاء.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.