منذ اِندلاع النزاع المسلح في السودان،باتت البلاد مسرحاً لمأساة إنسانية حقيقية ،لا سيما في أقليم دارفور ،الذي شهد تصاعداً مريعاً في الإنتهاكات الجسيمة بحق المدنيين ،وفق ما أكدته تقارير الامم المتحدة وفرق الخبراء التي وثقت جرائم القتل الجماعي ،والعنف الجنسي والتهجير القسري،فضلاً عن عرقلة وصول المساعدات الإنسانية ، ومع ذلك لا تزال قوات الدعم السريع المتمردة تتلقى تدفقات منتظمة من السلاح ،على الرغم من أن قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار رقم 1556/2004، تفرض حظراً كلياً على أي دعم عسكري أو لوجستي لكافة الجماعات المسلحة في دارفور ،بما فيها قوات الدعم السريع بصيغتها الحالية .
وقد صدر القرار 1556 بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ملزماً جميع الدول الأعضاء، بمنع تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي للاطراف غير الحكومية الخارجة عن سلطة الدولة،ويُعد هذ الحظر الزاماً بموجب القانون ،ومع تحول قوات الدعم السريع الى طرف متمرد على الدولة السودانية،
وإرتكابها إنتهاكات موثقة ،فإن استمرار تزويدها بالسلاح يُعد خرقاً صريحاً لهذا القرار .
علاوة على ذلك ،فإن المادة الاولى المشتركة من إتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949، تلزم الدول الاطراف بإحترام أحكام الإتفاقيات وضمان إحترامها في جميع الاحوال ،وهو ما يشمل منع الدعم العسكري أو المالي لأي أطراف ترتكب إنتهاكات جسيمة مثل الإبادة الجماعية، والتهجير القسري ،
والإغتصاب،وعليه فإن قيام بعض الدول أو الجهات الفاعلة بتسليح أو تمويل قوات الدعم السريع،لايمثل خرقاً لقرار مجلس الأمن فحسب، بل يُعد إنتهاكاً صريحاً للإلتزامات القانونية الدولية الواردة في إتفاقيات جنيف،ويؤسس لمسؤولية قانونية دولية تستوجب الإدانة والمساءلة.
وقد وثقت تقارير خبراء الامم المتحدة تطوراً نوعياً في تسليح قوات الدعم السريع، شملت إستخدام مدافع وطائرات مسيرة حديثة ،مما يؤكد وجود دعم خارجي منظم ،وهذا يضع على عاتق الدول الاعضاء في الامم المتحدة،
مسؤولية قانونية وأخلاقية لتتبع مصادر هذه الأسلحة ،
وتحديد الجهات المتورطة في خرق الحظر ،وتقديمها للمساءلة بموجب آليات نظام العقوبات الدولية.
وفي هذا السياق يُعد من الخطأ القانوني والمنهجي إجراء مقاربات غير متوازنة تساوي بين الجيش الوطني السوداني،بوصفه المؤسسة السيادية المكلفة بموجب الوثيقة الدستورية بحماية البلاد وسيادتها ووحدة اراضيها ،وبين قوات الدعم السريع المنشقة والمتمردة ،
والخارجة عن القانون ،فالاخيرة متورطة في إستخدام ممنهج للعنف ضد المدنيين ،بما في ذلك القتل ، العنف الجنسي،
والارهاب المنظم كما وثقتها تقارير فريق الخبراء المعني بالسودان ،المنشأ عملا بقرار مجلس الامن 1591/2005،
وإي محاولة لمعادلة الطرفين تشكل إنتهاكاً لمبدأ السيادة الوطنية وتتنافى مع ميثاق الامم المتحدة ، والبروتوكول الثاني الإضافي لإتفاقيات جنيف لعام 1977.
ومع صدور القرار 2750/2024،من مجلس الأمن ،والذي جدد العقوبات المفروضة بموجب القرار 1556،و مدد حظر السلاح وتجميد الاصول ،وحظر السفر حتي سبتمبر 2025، كان يُنتظر من الدول الاعضاء إتخاذ خطوات عملية حاسمة ،إلا أن التنفيذ ظل دون المستوى المطلوب،بالرغم من تلقي فريق الخبراء بلاغات واضحة بشأن وجود مخططات محلية ودولية لتمويل الجماعات المسلحة وتسهيل تهريب السلاح إليها عبر وسطاء ووكلاء إقليميين.
وتُشير تقارير ميدانية وتحقيقات إستقصائية مستقلة إلى أن بعض عمليات التسليح والتمويل لقوات الدعم السريع جرت بطرق غير مباشرة،عبر أطراف ثالثة ،أو تجارة غير مشروعة مما يُحتم تفعيل دور لجنة العقوبات الخاصة بالسودان وفرض عقوبات على الدول والافراد المتورطين في هذه الانتهاكات.
إن الفشل في إتخاذ إجراءات حازمة ضد الاطراف المنتهكة ،رغم وضوح الادلة ،يُكرس لتسيس قرارات مجلس الأمن ،ويُبرز ازدواجية المعايير في تنفيذ القانون الدولي،الأمر الذي يُقوض ثقة المجتمع الدولي في فعالية نظام العقوبات،ويُضعف منظومة العدالة الدولية.
إن الإلتزام بتطبيق القرار 1556 لم يعد خياراً سياسياً بل هو واجب قانوني واخلاقي وإن استمرار تجاهل تنفيذ هذا القرار وغض الطرف عن تسليح قوات الدعم السريع، يُعد تواطاً دولياً صريحاً يفاقم معاناة المدنيين ويعمق الكارثة الإنسانية في السودان،وعلى المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن الانتقال من دائرة التصريحات والمواقف، الى اجراءات عملية وملزمة تشمل الادانة العلنية للدول المتورطة ، ووقف كافة أشكال الامدادات والدعم ،ومساءلة الجهات الراعية والداعمة لتلك القوات ،وذلك حفاظاً على مبادئ القانون الدولي وحماية للمدنيين ،وإنفاذاً للعدالة الدولية،وضمان عدم الإفلات من العقاب.
20/يونيو/2025