سودانيون

راشد همت… يكتب : الإهمال المتكرر في موسم الحج: متى تُصان كرامة السوداني في أطهر البقاع؟ 

راشد همت… يكتب : الإهمال المتكرر في موسم الحج: متى تُصان كرامة السوداني في أطهر البقاع؟

 

في كل موسم حج، تتجه أفئدة المسلمين إلى البيت الحرام، وتُحلّق أرواحهم بأشواق الطاعة ورفرفة الخشوع، بينما تتحمّل الدول مسؤولية تنظيم رحلتهم الإيمانية، وضمان أمنهم وكرامتهم. فالحج ليس مجرد فريضة، بل رحلة روحية عظيمة تستحق كل مظاهر العناية والتقدير.

غير أن ما تعرّض له بعض الحجاج السودانيين هذا العام، من مشاق وإهانات، يعكس تقصيرًا صارخًا لا يليق بمقام الحاج، ولا بمكانة الدولة التي يُفترض أن ترعى أبناءها في حلّهم وترحالهم. لقد تجاوز الأمر حدود القصور الإداري، إلى ما يشبه الإهمال الممنهج، في تكرارٍ مؤسف لمشاهد الإهانة التي لا تزال تتكرر عامًا بعد عام دون إصلاح جذري أو مراجعة حقيقية.

وإزاء هذه الفضيحة الأخلاقية والتنظيمية، جاء تصريح رئيس الوزراء ، معلنًا رفضًا قاطعًا لما حدث، وموجهًا بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة كل من قصّر في أداء واجبه، تأكيدًا على نقول أن كرامة المواطن السوداني ليست محل مساومة أو تسويف.

الإهانة مرفوضة.. وكرامة الحاج خطٌ أحمر* ما حدث لبعض الحجاج السودانيين لم يكن مجرد خلل في التنسيق أو نقصًا في الخدمات، بل وصل حدّ الإهانة الصريحة، والتكدّس غير الإنساني، وغياب الرعاية الصحية، وانعدام التوجيه والإرشاد. هذه ليست ظروفًا طارئة يمكن التغاضي عنها، بل هي صورة من صور التقصير الفادح الذي يُهين الحاج في لحظة يفترض أن تكون أسمى لحظات حياته.

هل يُعقل أن يُجازى من قصد بيت الله بالذل والمهانة، بعد أن أنفق ماله، وتحمّل مشقة السفر، وتوقَ لرحمة الله؟

إن صمت الدولة، أو تبرير هذه الممارسات تحت أي ذريعة، يعني القبول بإذلال المواطنين، والاعتراف الضمني بعجزها عن أداء واجبها تجاههم. لذا نشيد بموقف رئيس مجلس الوزراء التوجيه مباشر بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المتورطين يحمل دلالات بالغة الأهمية:

أولها أن لا أحد فوق المحاسبة، وثانيها أن كرامة المواطن باتت تُعامل باعتبارها مسؤولية لا مجال فيها للتهاون.

*لكن التوجيه وحده لا يكفي.* فقد اعتاد الشعب السوداني على لجان تتشكل دون نتائج، وتحقيقات تُفتح ثم تُغلق بلا محاسبة. المطلوب هذه المرة أن تكون المتابعة جادة، والمحاسبة شاملة، وأن تُبنى منظومة الحج من جديد على أسس من الكفاءة والمهنية، بعيدًا عن المحاصصة السياسية والترضيات الحزبية التي عطّلت مؤسسات الدولة وأفرغت الخدمة من معناها.

* *خدمة الحُجّاج ليست ترفًا.. بل أمانة ثقيلة** رعاية الحُجّاج واجب ديني، ومسؤولية وطنية، وأمانة إنسانية لا ينبغي أن تُسند لمن لا يقدّر قدسيتها.

هي ليست امتيازًا يُمنح للمقربين، ولا غنيمة تُقسَّم بين المحسوبين على النظام، بل مهمة حساسة تتطلب مؤهلات مهنية، وعقليات تُدير لا تُدار، وتسعى لخدمة الحاج لا التكسّب على حسابه.

لقد أصبح من العيب أن تتكرر المعاناة ذاتها في كل موسم حج، رغم الإنفاق الكبير والوعود المتكررة. يجب إعادة هيكلة كاملة لمؤسسات الحج والعمرة، وإسناد الأمر لأهل الكفاءة والنزاهة، وتطبيق معايير واضحة للتقييم والمساءلة، لا المجاملة والتغاضي.

* *المتابعة المستمرة* .. حين يعلن رأس الدولة أنه سيتابع هذا الملف شخصيًا، فإن الترقب الشعبي يتجاوز التمنيات إلى انتظار الفعل والنتائج.

المطلوب ليس تطييب الخواطر، بل اتخاذ قرارات حاسمة، ووضع آليات رقابة صارمة، ونشر تقارير شفافة حول ما جرى، ومن أخطأ، وكيف عوقب، وماذا سيُفعل حتى لا تتكرر المأساة.

المحاسبة الجادة ليست مجرد تصفية حسابات، بل هي فعل تأسيسي لدولة تحترم مواطنيها، وتُقيم مؤسساتها على أساس الخدمة لا الوجاهة، وعلى مبدأ الأمانة لا التسلّط.

*الخاتمة: كرامة الحاج مرآة لهيبة الدولة*

كرامة الحاج ليست قضية موسمية، بل مقياسٌ دائم لمستوى رُقيّ الدولة ومؤسساتها.

الدولة التي تهين أبناءها في رحلتهم إلى بيت الله لا تستحق الاحترام، والسلطة التي تعجز عن تنظيم فريضة الحج لا تملك تبريرًا لعجزها في غيره.

ما حدث هذا العام يجب أن يكون آخر فصول الإهمال، وبداية عهدٍ جديد تُصان فيه كرامة السوداني، ويُرفع فيه مستوى الخدمات إلى ما يليق بالإنسان، ويُحاسب فيه كل من خان الأمانة، أيًّا كان موقعه

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.