احداث بورتسودان .. المجتمع الدولي امام امتحان ..ثم ماذا بعد الادانة ؟!
تقرير : سودانيون ميديا
في لحظة فارقة من عمر الح ر ب، تتجاوز المأساة حدود الداخل، لتفرض نفسها بندًا ملحًّا على طاولة المجتمع الدولي .
هجوم قوات الملي شيات على مدينة بورتسودان – آخر معاقل الاستقرار النسبي – لم يكن مجرد تطور عسكري، بل صدمة سياسية وأمنية أعادت ترتيب الأولويات، ودفعت العواصم الغربية والمنظمات الأممية لإصدار إدانات غير مسبوقة في لهجتها ومضمونها.
لكن، وبين سطور بيانات الشجب والتحذير، يطل السؤال الأهم: هل تكفي الإدانة وحدها؟ أم أن ما حدث في بورتسودان سيكون لحظة التحوّل التي تدفع المجتمع الدولي من مربع الأقوال إلى ميدان الأفعال؟
هذا التقرير يستعرض أبعاد الموقف الدولي، خلفيات الدعم الخارجي للملي شيا، والفرص المتاحة للحكومة السودانية، في سباق مفتوح مع الزمن… والمآسي.ثم ماذا بعد الإدانة؟
في رد فعل سريع وحاد، وصفت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الهجوم على بورتسودان بأنه “تصعيد خطير” يهدد سلامة المدنيين ويقوّض الممرات الإنسانية الحيوية. وتضمن بيان الاتحاد الأوروبي لأول مرة، وبشكل صريح، الإشارة إلى وجود دعم خارجي لقوات الدعم السريع، وهو تطور نوعي في خطاب المجتمع الدولي الذي ظل، لوقت طويل، يتحاشى تسمية الجهات الممولة أو المتورطة في إذكاء الصراع.
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن “الهجوم على بورتسودان يمثل تطورًا مقلقًا للغاية، يهدد حماية المدنيين ويعرض العمليات الإنسانية للخطر في منطقة سلمت نسبيًا من ويلات الح ر ب”. وأضاف أن “مثل هذا التصعيد يهدد بإغراق المزيد من المناطق في الفوضى، ويقوّض جهود الحل السياسي.”
الإدانة وحدها لا تكفي
البيانات المنددة، مهما بلغت من الحدة، لا تكفي ما لم ترافقها تحرّكات دبلوماسية وقرارات تنفيذية. فالتجارب السابقة – من ليبيا إلى اليمن – أثبتت أن الح روب لا تتوقف بالتصريحات، بل بالتجفيف الفعلي لمنابع الدعم والتأثير في مراكز القرار بالنسبة للجهات الداعمة.
وفي هذا السياق، لم يكن حديث الاتحاد الأوروبي عن “دعم خارجي” تصريحًا عابرًا. فقد شهدت الأسابيع الماضية تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة استخدام الطائرات المسيّرة، وظهور أسلحة متقدمة وتقنيات اتصالات يصعب توفرها دون دعم من أطراف دولية. كما اتسعت رقعة العمليات إلى مناطق بعيدة يصعب الوصول إليها دون غطاء لوجستي خارجي منظم.
وتكشف تقارير استخباراتية وإعلامية عن مسارات تمويل معقدة، تشمل شبكات تهريب عابرة للحدود، وتورط أطراف إقليمية عبر وسطاء وشركات تغذي النزاع. وتدل طبيعة الذخائر والمعدات المستخدمة على منظومات تسليح حديثة لا تملكها سوى دول لديها قدرة تصنيع متطورة، ما يطرح تساؤلات جدّية حول الجهات المصدّرة والمتواطئة بالصمت أو الدعم
ضغط ممكن أم خطاب عابر؟
يمتلك الغرب، سياسيًا، أدوات ضغط قوية قادرة على كبح جماح تمدد الفوضى، إذا ما توفرت الإرادة. فالاتحاد الأوروبي يضم في عضويته فرنسا وبريطانيا كدولتين دائمتين في مجلس الأمن، بينما تملك الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ونفوذًا في المؤسسات المالية، والقدرة على فرض عقوبات مشددة ضمن منظومة القانون الدولي.
ومن بين الخطوات التي يمكن اتخاذها: فرض حظر فعال على تصدير الأسلحة أو مكوناتها للأطراف الداعمة للملي شيا .إدراج الأفراد والكيانات المتورطة على لوائح العقوبات الدولية.تبنّي قرار أممي يوقف تسرب الاسلحة للملي شيا .إطلاق آلية دولية لتتبع الطائرات المسيّرة ومنظومات الاتصالات وقطع الغيار العسكرية.
فرصة للحكومة السودانية
في المقابل، تملك الحكومة السودانية الآن ورقة ثمينة لتدويل الملف، وتوسيع دائرة الدعم الدولي، شريطة أن تتعامل مع التطورات باحترافية وتكثيف العمل على عدة محاور:تقديم أدلة موثّقة حول الدعم الخارجي بالأسماء والمسارات. أضافه لتحريك ملف السلاح عبر مجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة .وتنشيط الجبهة الدبلوماسية، خصوصًا مع الدول الإفريقية والآسيوية غير المنخرطة في الاستقطاب الدولي ودعم جبهة الإعلام والحقوق، من خلال توثيق الانتهاكات وإبرازها في المنابر الدولية بلغة مهنية ومؤثرة .
ما بعد الإدانة… اختبار النوايا
ما بعد الإدانة هو لحظة مفصلية، و اختبار حقيقي لمدى التزام المجتمع الدولي بحماية المدنيين واحترام سيادة السودان. فالهجوم على بورتسودان لم يترك مجالاً للحياد، وفرض على العواصم الغربية مسؤولية تتجاوز التصريحات لتصل إلى ميدان الفعل فهل تتحول الإدانات إلى إجراءات عملية توقف تدفق السلاح وتضع حدًا للداعمين الخفيّين؟ أم تُضاف بورتسودان إلى قائمة المدن المنكوبة التي لم تنفعها بيانات الشجب؟
الأيام المقبلة ستكشف الجواب.