إبراهيم شقلاوي يكتب.. وجه الحقيقة: قراءة جديدة للمشهد السوداني على ضوء التطورات العسكرية والسياسية
وجه الحقيقة
إبراهيم شقلاوي
قراءة جديدة للمشهد السوداني على ضوء التطورات العسكرية والسياسية
في الوقت الذي يواصل الجيش السوداني تقدمًا متسارعًا ضد مليشيا الدعم السريع في عدد من المحاور ، يواجه السودان لحظة حاسمة قد تحدد مستقبله السياسي والأمني . حيث يزداد الوضع تعقيدًا مع التصعيد العسكري ، الذي يبدو أنه بات الخيار الوحيد للجيش في الوقت الحالي ، رغم استمرار الضغوط الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي . حيث ظلت قيادة الدولة تؤكد علي عدم وجود أي مفاوضات إلا بعد القضاء على التمرد ، هذا يشير إلى أن المرحلة المقبلة ستحدد ملامح مستقبل البلاد . و عليه، فإننا ملزمون بقرآءة جديدة للمشهد العسكري والسياسي.
مطلع الأسبوع في تصريح لافت للشعب السوداني قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة “نحن منتصرون رغم أنف أي شخص ، والله معنا وهو سينصرنا”. هذا التصريح يعكس الإصرار على القضاء على مليشيا الدعم السريع ، وهو ما يتماشى مع العمليات العسكرية المكثفة التي بدأها الجيش في 26 سبتمبر الماضي ألذي استطاع خلالها استعادة العديد من المواقع الاستراتيجية في الخرطوم وسنار والأبيض هذا التقدم للجيش على الأرض يعزز فرضية أن الحسم العسكري هو الخيار الأرجح رغم التكلفة العالية.
بحسب مصادر عسكرية فقد تم حل العديد من التعقيدات في بعض المحاور التي كانت تعيق تقدم الجيش بشكل فاق التوقعات، مما يشي بتقدم كبير محتمل في هذه المحاور في الأيام المقبلة. كما تم الحديث عن دخول إمدادات نوعية في جانب الأفراد والمعدات ، وهو ما يعزز قدرة الجيش على مواصلة تقدمه وتوسيع نطاق العمليات العسكرية.
بالأمس في محور سنار أكد أيضاً الفريق أول شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش إغلاق باب التفاوض تمامًا مع الميليشيات ، مشددًا على أن الجيش لن يتوقف عن العمليات العسكرية حتى يتم القضاء على مليشيا الدعم السريع تمامًا . هذه التصريحات تضع عملية الحسم العسكري في أولوية لا يمكن التراجع عنها ، حيث ترى القيادة العسكرية أن أي محاولة للتفاوض قبل الحسم قد تعني تعزيز موقف الميليشيات وإعادة ترتيب صفوفها.
رغم الدعوات المستمرة من بعض الأطراف السياسية للبحث عن حل سياسي، ترى الحكومة السودانية أن أي تسوية سياسية في هذا التوقيت قد تعني إعادة إحياء مليشيا الدعم السريع، ما يعطل استقرار البلاد ويخالف رغبة المواطنين في طي هذه الصفحة للأبد . بالتالي يصبح الحل العسكري هو المدخل الوحيد لاستعادة الأمن قبل التفكير في أي عملية سياسية محتملة.
في جانب آخر تحاول تنسيقية القوى المدنية “تقدّم” التكيف مع الواقع الجديد، فقد أعلن الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الهيئة القيادية للتنسيقية في “عنتبي” عن طرح آليات جديدة للخروج من الأزمة، مثل “المائدة المستديرة” و”الجبهة العريضة”، في محاولة لتوسيع دائرة الحوار السياسي. رغم أن تنسيقية “تقدّم” كانت قد قدمت دعمًا كبيرًا لمليشيا الدعم السريع في وقت سابق من خلال توقيع اعلان المبادئ معها في أديس أبابا في فبراير الماضي الذي لم تلتزم المليشيا بأي من بنوده، حيث كانت تنسيقية “تقدّم” تأمل في العودة إلى السلطة في حال تمكنت المليشيا من السيطرة على البلاد.
عليه فإن الانتصارات العسكرية المستمرة للجيش تجعلها في موقف صعب يوجب عليها اعادة النظر في مواقفها الداعمة للمليشيا. كذلك وبحسب مصادر موثوقة بأن “تقدم “تواجه ضغوطاً عنيفة من قبل دوائر صناعة القرار داخل الإدارة الأميركية بسبب علاقة التنسيقية بمليشيا الدعم السريع.
وبحسب المصادر فإن الضغوط تأتي ضمن تحولات الموقف الأميركي ضد الدعم السريع والذي تمخض عنه إجازة مشروع قرار داخل مجلس النواب الكونغرس بتصنيف ما قامت به المليشيا من جرائم في دارفور على أنها إبادة جماعية. هذه التحولات تضع التنسيقية أمام تحديات جديدة في كيفية التكيف مع المتغيرات السياسية ، وهو ما قد يشكل عقبة أمام أي تسوية سياسية محتملة.
على الصعيد الإقليمي، تبرز مصر كأحد اللاعبين الرئيسيين في الأزمة السودانية ، حيث تسعى لضمان استقرار السودان كونه يشكل عمقًا استراتيجيًا لها . زيارة وزير الخارجية المصري د. بدر عبد العاطي إلى السودان أول أمس، وتقديمه رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس السوداني عبد الفتاح البرهان ، تعكس الدعم المصري المستمر لمواقف الحكومة السودانية في سعيها للحسم العسكري . مصر التي تدرك أن استقرار السودان هو جزء من استقرار المنطقة ، ظلت تلعب دورًا محوريًا في دعم توجه القيادة السودانية . في الوقت ذاته يظل السؤال حول كيفية تأثير هذا الدعم في المواقف الدولية تجاه الأزمة السودانية.
في جانب اخر، تزداد التحديات الإنسانية بشكل كبير. حيث شهدت المدن السودانية تدميرًا ممنهجا للبنية التحتية آخرها مصنع سكر سنار، بجانب النزوح الجماعي للمدنيين بجانب مهددات نجاح الموسم الزراعي الشتوي ، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة السودانية على التعامل مع هذه التحديات ومن ثم الانتقال لليوم التالي من الحرب.
لذلك وحسب ما يبدو عليه وجه الحقيقة فإن العملية السياسية في السودان معقدة للغاية، حيث لا يمكن المضي قدما في أي حوار سياسي قبل حسم الصراع العسكري. كما أن أي محاولة للتفاوض بحسب مراقبين قبل حسم المعركة قد تعني منح الفرصة للميليشيات لإعادة تنظيم صفوفها، مما يعقد أي عملية سياسية مستقبلية، مع ذلك تظل الأسئلة حول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية بعد حسم المعركة شاخصة تنتظر اجابات، خصوصًا في ظل التحولات الداخلية التي يبرز خلالها التيار الوطني الداعم للجيش بقوة، هذه التطورات مجتمعة من الواضح انها سوف تفرض نفسها على مستقبل السودان.
دمتم بخير وعافية
الخميس 5/ ديسمبر 2024م Shglawi55@gmail.com