سودانيون

آمنة محافظاً للبنك المركزي،، تحديات المهمة..

خطوة جريئة كسرت احتكار الرجال للمنصب،،

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

في خطوة وُصفت بالتاريخية والجريئة، أصدر مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قراراً بتعيين الخبيرة الاقتصادية “آمنة ميرغني حسن التوم الطويل” محافظاً لبنك السودان المركزي، خلفاً للمحافظ المقال برعي الصديق، وحمل القرار السيادي في طيَّاته العديد من المؤشرات والإشارات السياسية والاقتصادية بالغة الدلالة، لاسيما في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد جراء الحرب وارتداداتها على المنظومة المالية والمصرفية.

فوضى الأسواق، والمضاربات التي أضعفت قيمة الجنيه، أبرز التحديات..

أول امرأة:

وتُعتبر الاقتصادية “آمنة ميرغني الطويل” أول امرأة في تأريخ السودان تتقلد هذا المنصب الرفيع، ويعدُّ تعيينها في هذا الموقع الحساس كسراً للسقف الزجاجي التقليدي في المؤسسة المصرفية الاقتصادية الأولى في البلاد والتي ظلت حكراً على الجنس الخشن، الأمر الذي يعكس رغبةً واضحة من القيادة العليا للدولة في إبراز الكفاءات النسائية التي طالما أثبتت جدارتها في مختلف القطاعات، كما أن تعيين آمنة يحمل رسالةً من الدولة إلى الداخل والخارج، مفادها: أن الإصلاح الاقتصادي لن يتم إلا عبر اتباع منهج الكفاءةٍ وليس الجنس أو النوع، وأن السودان يتجه نحو إعادة بناء مؤسساته بعقول جديدة قادرة على مقاربة الأزمة من زوايا غير مألوفة.

ملفات اقتصادية وسياسية بالغة التعقيد تنتظر الخبيرة الاقتصادية..

مهمة معقَّدة:

ورغم التفاعل الإيجابي الذي انتظم المشهد السوداني عقب صدور قرار تعيين الخبيرة الاقتصادية ” آمنة الطويل” لتجلس على كرسي محافظ البنك المركزي، إلا أن الكثير من المخاوف بدأت تنتاب البعض عطفاً على المهمة المعقَّدة التي تنتظر السيدة آمنة التي لن يكون طريقها مفروشاً بالورود، فهي تستلم مهامها في ظرف هو الأصعب على الإطلاق في تاريخ البنك المركزي، حيث يواجه الجنيه السوداني تدهوراً مريعاً أمام العملات الأجنبية، وسط اتهامات متصاعدة للبنك المركزي بالتقاعس عن ضبط السيولة والسيطرة على السوق الموازي، الذي بات يتحكم فعلياً في سعر الصرف، كما تواجه المحافظ الجديدة تركة معقدة من السياسات المتضاربة وغياب الشفافية في إدارة النقد الأجنبي، في وقت تعاني فيه الدولة من انكماش في الإيرادات وتوقف الصادرات وتآكل الاحتياطيات.

هل توقف تدهور الجنيه، المضاربات، وتنهي وجود الميليشيا في المصارف..

تركة الحرب:

المزيد من المشاركات

ويرى خبراء اقتصاديون أن من أبرز التحديات التي تنتظر السيدة آمنة الطويل هي إعادة بناء الثقة في الجهاز المصرفي، بعد أن تعرضت عشرات البنوك والمصارف لاعتداءات ونهب ممنهج من قبل ميليشيا الدعم السريع، مما أدى إلى فقدان كميات ضخمة من النقد المحلي والأجنبي، فضلاً عن تدمير الأنظمة الإلكترونية وتعطيل الشبكات المالية في العاصمة والولايات التي كانت تقع في قبضة الميليشيا المتمردة، إلى جانب ذلك، تواجه المحافظ الجديدة تحدي فوضى الأسواق والمضاربات التي أضعفت قيمة العملة، إضافة إلى انتشار عمليات تزوير واسعة استهدفت فئتي الخمسمئة والألف جنيه، وهو ما يتطلب خطة عاجلة من السيدة آمنة لإعادة طباعة العملة وضبط تداولها عبر آليات آمنة.

الكناني: عليها اتباع سياسات لامتصاص التضخم، ومنع الانكماش الاقتصادي..

ملفات حساسة:

وتبقى واحدة من الملفات الحساسة التي ستجابهها آمنة ميرغني هي تنظيف البيئة المصرفية من الاختراقات حيث تغلغلت عناصر موالية لميليشيا الدعم السريع داخل مجالس إدارات عدد من المصارف، ما انعكس على قراراتها وأضعف استقلاليتها، ويتوقع مراقبون أن تباشر المحافظ الجديدة حملة مراجعة شاملة للهيكل الإداري والمالي للمصارف لضمان نزاهتها واستقلالها من أي نفوذ سياسي أو عسكري، وبالتالي فإن أمام السيدة آمنة الطويل فرصة تاريخية لإعادة رسم دور البنك المركزي كجهة ضابطة للسياسات النقدية ومراقبة للأسواق المالية، شريطة أن تنجح في توحيد سعر الصرف، وضبط السيولة، وتحفيز عودة الثقة بالقطاع المصرفي عبر قرارات جريئة وشفافة.

تنتظرها مهمة تنظيف البيئة المصرفية من اختراقات عناصر موالية للميليشيا..

روشتة مصرفية:

ويؤكد الخبير المصرفي الهادي الكناني أن أولى مهام المحافظ الجديدة تتمثل في إعادة الجهاز المصرفي إلى مستوياته قبل الحرب وكبح جماح التضخم الاقتصادي المتصاعد، إلى جانب السيطرة على الكتلة النقدية خارج المنظومة المصرفية وإعادة التوازن المالي والتأثير الإيجابي على ميزان المدفوعات
وقال الكناني في إفادته للكرامة إن المرحلة المقبلة تتطلب من البنك المركزي تفعيل المحافظ الاستثمارية المختلفة وصندوق الودائع، والعمل على توحيد العملة النقدية في البلاد عبر سحب الأوراق القديمة، واتباع سياسات نقدية مرنة قادرة على امتصاص التضخم ومنع الانكماش الاقتصادي، محذراً من نفوذ لوبيات الموردين والمصدرين التي قال إنها تؤثر على القرار الاقتصادي، ودعا إلى إصلاح هيكلي شامل يبدأ من البنك المركزي ويشمل جميع المصارف، مع ضرورة دعم البنوك وتعويض خسائرها واستعادة الثقة في الجهاز المصرفي خلال فترة وجيزة، واقترح الكناني في ختام إفادته للكرامة، تقديم دعم مالي مباشر للبنوك في شكل ودائع وأموال مخصصة لأغراض محددة، بعضها مسترد والآخر غير مسترد حسب الحاجة، فضلاً عن زيادة رؤوس أموال البنوك المتخصصة برافعة مالية معززة وبمختلف الوسائل، وتقليص عدد المصارف الصغيرة ودمجها لتحقيق كفاءة أعلى في الأداء.

من المهام إعادة الجهاز المصرفي إلى مستوياته، لكبح جماع التضخم..

خاتمة مهمة:

بين رمزية التعيين وثقل الملفات الملقاة على عاتقها، تقف آمنة ميرغني حسن التوم الطويل على مفترق طرق صعب، فإما أن تؤسس لمرحلة جديدة من الاستقلالية والشفافية في إدارة البنك المركزي، أو تجد نفسها أسيرة ذات التعقيدات التي أودت بمن سبقوها، بيد أن ما لا خلاف عليه أن تعيينها أعاد الأمل في إحياء الدور الوطني للبنك المركزي، كحارس للجنيه السوداني وركيزة للاستقرار الاقتصادي في سودان ما بعد الحرب.

* نقلاً عن صحيفة الكرامة

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.