سودانيون

د. رجاء عبدالله الزبير الملك تكتب….حرب السودان تدمير ممنهج تحت غطاء الحرب الأهلية

 

يمر السودان بأحد أكثر النزاعات المسلحة دموية وتعقيداً في تاريخه الحديث
ورغم توصيفه وفقاً للتصنيفات المعتمدة في القانون الدولي الإنساني ضمن فئة النزاعات
المسلحة غير الدولية أو ما يعرف اصطلاحاً بالحرب الأهلية (civil war)،إلا أن المعطيات الواقعية والمؤشرات على الأرض تكشف عن طابع دولي متصاعد للنزاع ، نتيجة التورط الموثق لأطراف خارجية عبر وكلاء يقدمون دعماً متعدد
الأوجه – مالياً ولوجستياً وتقنياً بل وعسكرياً لقوات الدعم السريع المتمردة ،فضلاً عن استخدام مرتزقة أجانب من عدة دول
منها تشاد ،ليبيا ،
جنوب السودان ،إثيوبيا ،وكولومبيا ،مما يعزز هذا التحول في الطبيعة
القانونية للحرب من نزاع مسلح غير دولي ،إلى نزاع مسلح مدول.
إن مشاركة المرتزقة في العمليات القتالية تشكل إنتهاكاً صريحاً لاحكام الإتفاقية الدولية
لمناهضة تجنيد وإستخدام وتمويل المرتزقة لعام 1989،وإتفاقية منع الإرتزاق في
أفريقيا لسنة 1977،التي تجرم بوضوح إشراك المرتزقة في العمليات العدائية
وتعتبرهم
اطرافا غير شرعية في
النزاع، وحرمانهم من الحماية القانونية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني للمقاتلين
النظاميين ،كما أن التدخل الأجنبي غير المباشر ،القائم على الدعم العسكري والتمويل والتسليح يخرج النزاع من إطاره الداخلي ،الى صراع تتشابك فيه المصالح الدولية
عبر أدوات محلية تنفذ
أجندة أجنبية ،مما يشكل تدخلاً غير مشروع في شؤون دولة ذات سيادة ،في
مخالفة صريحة
لأحكام المادة (2/4) من ميثاق الامم المتحدة التي تحظر استخدام القوة ،أو التهديد
بها في
العلاقات الدولية.
وعلى الرغم من فداحة الكارثة الإنسانية الناتجة عن الإنتهاكات الجسيمة المرتكبة من قوات الدعم السريع المتمردة ،والتي أسفرت عن نزوح الملايين ،
وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والضحايا من المدنيين ،لا يزال المجتمع الدولي يلتزم الصمت، مكتفياً بإصدار بيانات الإدانة دون إتخاذ خطوات عملية لوقف العدوان ،مما يُعد من حيث الأثر تواطؤاً ضمنياً ،ويضع علامات استفهام كبرى حول التزام منظومة القانون الدولي في حماية حقوق
الانسان والحفاظ على السلم والأمن الدوليين ،فضلاً على أن غياب الموقف القانوني الحاسم
لا يشجع على الافلات من العقاب فحسب،بل يشكل تهديداً للأمن الجماعي في القارة
الافريقية ، التي تحولت بعض دولها إلى ساحات لحروب بالوكالة وتمويل للميليشيات في إنتهاك
ممنهج للقواعد المستقرة في القانون الدولي.
ما يجري في السودان ليس مجرد حرب أهلية ،بل هو حملة تدمير ممنهجة تهدف إلى تفكيك
الدولة الوطنية ،
وتقويض مؤسساتها ،
وتحويلها إلى كيان هش،غير قابل للحكم بما يتوافق مع
نماذج الاستعمار الجديد ،الذي لا يعتمد على الجيوش النظامية ،بل يكفي عقود خفية ومرتزقة وميليشيات مأجورة ،وأن الاستعانة بمرتزقة ونقلهم الى الأراضي السودانية يمثل جريمة
بموجب أحكام القانون الدولي ،ويندرج تحت بند أعمال العدوان ،وفق ما ورد في القرار الصادر
من الجمعية العامة للامم المتحدة بالرقم 3314/1974.
الذي يجرم أستخدام المرتزقة كأداة
لتقويض سيادة الدول وزعزعة أمنها الداخلي .

وفي مواجهة هذا المشهد القاتم ،أظهر أبناء الشعب السوداني صموداً لافتاً حيث التفت
مكونات المجتمع المختلفة حول القوات المسلحة دفاعاً عن الدولة السودانية ،في وحدة وطنية نادرة تجاوزت كافة الإنتماءات العرقية والجهوية ،
لتشكل جبهة مقاومة وطنية في مواجهة
الهيمنة الخارجية ومحاولات تفكيك البلاد ،وهذه الارادة الشعبية الصلبة تتطلب دعماً حقيقياً
من المجتمع الدولي ،يتجاوز حدود الادانة اللفظية إلى تحرك عملي،يشمل فرض عقوبات على
قادة الدعم السريع والدول المتورطة في دعمهم ،وفرض حظر تصدير الأسلحة إليهم وتتبع
شبكات التمويل غير المشروعة التي تسهم في استمرار النزاع.

إن ما يجري في السودان صراع يتجاوز حدوده الجغرافية ليهدد منظومة الأمن
الاقليمي الإفريقي،وتضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمدى التزامه بمبادئ القانون الدولي وقدرته على التصدي للإنتهاكات الجسيمة التي ترتكب بحق الشعوب ،ومن هنا فإن مسؤولية المجتمع الدولي ،قانونياً وأخلاقياً باتت واضحة ،وهي أن ينهض بواجباته في حماية المدنيين ،
ومساءلة من يرتكبون الجرائم والإنتهاكات الجسيمة ،ووقف استخدام القارة الافريقية كمنصة لصراعات القوى الدولية لان السودان ليس وحده الضحية ،بل يٌعد الإنذار الأول لنموذج الهيمنة المقنعة التي تهدد القارة بأكملها.

10/أغسطس/2025

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.