تقرير: سودانيون ميديا
في مشهد سياسي جديد، أصدر رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، مساء الأحد 27 يوليو 2025، القرار رقم 84 لسنة 2025، الذي قضى بتعيين خمسة وزراء وخمسة وزراء دولة، ليصل بذلك عدد أعضاء حكومته إلى عشرين وزيرًا من أصل 22 حقيبة وزارية. تأتي هذه الخطوة في إطار مساعيه المستمرة لاستكمال ما يُعرف بـ”حكومة الأمل”، التي أعلن عنها عقب تكليفه الرسمي في مايو الماضي، وسط جدل واسع داخلي وخارجي حول طبيعة التشكيل وأهدافه.
وبينما يعتبر البعض هذه التعيينات خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار والتنمية، لا تزال تساؤلات ملحة عن مدى قدرتها على تحقيق انتقال مدني حقيقي، أم أنها تمثل استمرارًا لهيمنة سلطات الأمر الواقع التي تدار من خلف الكواليس العسكرية.
الدوافع والرؤية الحكومية:
يؤكد الدكتور إدريس أن حكومته مبنية على “الكفاءة والنزاهة والحيادية”، بعيدًا عن المحاصصات الحزبية، وأن اختيار الوزراء يتم وفق معايير صارمة تضمن تمثيلًا واسعًا للمجتمع السوداني وليس فقط النخب السياسية.
“حكومة الأمل”… بين التكنوقراطية وواقع السلطة:
خطوة رئيس الوزراء د كامل إدريس جاءت لتعكس توجهًا واضحًا نحو استكمال التشكيل الحكومي، عبر ما وصفه مراقبون بـ”هندسة تكنوقراطية” تسعى لتثبيت حضور رسمي في مشهد سياسي لا زال يفتقر إلى توافق وطني حقيقي.وبزيادة عدد الحقائب الوزارية إلى عشرين من أصل 22، يعيد المشهد السياسي طرح السؤال الكبير حول طبيعة هذه الحكومة: هل هي بداية فعلية للانتقال المدني، أم تكريس لاستمرار نفوذ المؤسسة العسكرية في الحكم؟
تكريس الحكم والتجاهل السياسي:
تعكس التعيينات الجديدة استراتيجية “تكريس فني” تركّز على الكفاءة الأكاديمية والمهنية، مع إهمال واضح للبُعد السياسي والتوافقي، وهو مطلب أساسي للقوى الثورية والحركات المسلحة.أعلن كامل إدريس سابقًا عن مسار إصلاح إداري واقتصادي يتطلب تعيين شخصيات مستقلة وغير منتمية سياسياً، ما يفسر اختيار العديد من الأسماء الأكاديمية والتقنية في الحكومة.الوزارات الجديدة، التي تشمل الطاقة، التعليم، الاتصالات، والشباب، تسعى لبناء حكومة حديثة قادرة على مواجهة تحديات التنمية.
إلا أن بعض المراقبين يؤكدون أن هذه التوجهات لا يمكن فصلها عن السياق الذي تم فيه تكليف إدريس نفسه، بقرار مباشر من رئيس مجلس السيادة، وهو ما يضع الحكومة في إطار “سلطة الأمر الواقع” العسكرية.
التعيينات السابقة ضمن الحكومة:
قبل القرار الأخير، شهدت الحكومة سلسلة تعيينات:في 3 يوليو 2025: تم تعيين وزراء الزراعة والري، التعليم العالي، والصحة.
في يونيو: وزراء الدفاع والداخلية.
في 10 يوليو: وزراء العدل، المالية، الحكم الاتحادي، الصناعة والتجارة، والشؤون الدينية.
هذا التدرج في التعيينات يوضح منهجية تدريجية استُخدمت لاستكمال حكومة الأمل.
الوزراء الجدد في القرار 84 (27 يوليو 2025)
شهد القرار الأخير تعيين خمسة وزراء جدد، بينهم
•خالد إسماعيل أحمد علي العيسير: استمر كوزير للثقافة والإعلام وأضيفت إليه حقيبة السياحة. صحفي مخضرم ووجه إعلامي رسمي معروف
•نور الدين طه: وزير الفحم والمعادن والتعدين، ينتمي إلى صفوف المعارضة للنظام السابق، وذو خبرة في الحركات المسلحة
•معطّس أحمد صالح آدم: وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية، قيادي في حركة الجبهة الموحدة (JEM)، مما يعكس تمثيل الحركات المسلحة في الحكومة
•سيف النصر التجاني هارون جابر: وزير النقل والبنية التحتية، عضو بارز في تجمع قوى تحرير السودان.
•أحمد التجاني عبد الرحيم المنصوري: وزير الثروة الحيوانية والمصايد، أكاديمي ومستثمر زراعي، أثار تعيينه جدلاً حول استقلالية القرار الاقتصادي وتأثير المصالح الخارجية.
كما شمل القرار تعيين ثلاثة وزراء دولة لهم خلفيات مهنية متخصصة،
•لمياء عبد الغفار خلف الله – وزيرة لشؤون مجلس الوزراء (أول امرأة تتولى المنصب)، مثلت خطوة رمزية في تمكين النساء داخل السلطة التنفيذية.
•المعتصم إبراهيم أحمد – وزير الطاقة، أكاديمي وخبير سابق برئاسة جامعة شندي.
•أحمد الدرديري غندور – وزير التحول الرقمي والاتصالات، يحمل خبرة تقنية ومهنية عميقة في قطاع الاتصالات.
•التهامي الزين حجر – وزير التعليم والتربية الوطنية، شغل المنصب سابقًا وله سجل في القطاع التعليمي.
•أحمد آدم أحمد – وزير الشباب والرياضة، متخصص في التربية الرياضية مع تركيز على تنمية الشباب.
كما تم تعيين ثلاثة وزراء دولة:
•عمر محمد أحمد صديق – وزير دولة بالخارجية، دبلوماسي وخبير أممي سابق.
•محمد نور عبد الدائم عبد الرحيم – وزير دولة بالمالية، شغل سابقًا منصب نائب المراجع العام في عهد النظام السابق.
•سلمى إسحق محمد – وزيرة دولة للموارد البشرية، معروفة بعملها في مناهضة العنف ضد المرأة.
ردود الفعل والتفاعلات:
كانت هنالك أصوات الموالية حيث رحبت حركة الجبهة الموحدة (JEM) وفصائل دارفورية بهذه التعيينات، معتبرة إياها تنفيذًا جزئيًا لمقتضيات اتفاق جوبا الذي يمنحها تمثيلًا تنفيذيًا بنسبة 25%.
وعلى المستوى الدولي، عبرت الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، وإيغاد عن ترحيبها غير المباشر، معتبرة الخطوة بداية نحو استقرار سياسي محدود.
الأصوات الرافضة :
انتقدت قوى الثورة ولجان المقاومة المدنية التعيينات، ووصفتها بأنها استمرار لسلطة الأمر الواقع، مشيرة إلى غياب تشاور حقيقي مع القوى المدنية.
وعبرت بعض الحركات المسلحة عن استياءها من الإقصاء المستمر، معتبرة أن الاتفاقيات لم تُطبق بشكل كامل.
محللون قانونيون اعتبروا أن الهيمنة القضائية والتنفيذية لا تزال مرتبطة بقرارات عسكرية، مما يحد من مشروعية التشكيل.
تحليل التوازن:التكنوقراطية والتمثيل السياسي:
يمثل التشكيل الوزاري مزيجًا بين توجه تقني يرتكز على خبراء أكاديميين ومستقلين في مجالات مثل المعادن والزراعة والموارد البشرية، وبين تمثيل سياسي للحركات المسلحة التي حافظت على حصص تنفيذية رغم الاختلافات في الرؤى.
يثير هذا التوازن تساؤلات مهمة: هل حكومة الأمل تكنوقراطية