سودانيون

رؤى تاج السر… تكتب…. الخريف في السودان… موسم يروي الأرض والقلوب

 

الخريف في السودان ليس مجرد فصل من فصول السنة،

بل هو حالة وجدانية، وارتباط عاطفي عميق في ذاكرة الناس وقلوبهم.

هو فصل يحمل بين طيّاته رائحة المطر الأولى، ونسيمًا عليلًا، وأجواءً مليئة بالطمأنينة والسكينة.

 

حين تهطل أولى قطرات المطر، يشعر الإنسان بأن شيئًا داخله قد تبدّل.

رائحة الأرض المبللة، وصوت قطرات الماء وهي تضرب الأسطح، والنسمة الباردة التي تمرّ بهدوء على الأرواح…

كلها تفاصيل صغيرة تحمل في طيّاتها معنًى عميقًا، كأنها تغسل القلوب قبل الأرصفة.

 

الخريف لا يعني الزراعة وحدها، وإن كان المزارعون أكثر الناس انتظارًا له،

بل هو فرحة جماعية يحتفل بها الكبير قبل الصغير.

هو موسم اللمة، والشاي الذي يُحضّر على نار الفحم،

وزلابية ساخنة تتقاسمها الأسر في الحوش أو تحت ظل شجرة.

 

حتى الأطفال لهم مع المطر فرحتهم الخاصة،

يركضون تحت قطراته، يتسابقون في الطين، ويضحكون من أعماقهم،

كأن المطر ينزل ليوقظ فيهم بهجة الطفولة الصافية.

 

وفي هذه الأجواء، تتغير ملامح الناس،

تبتسم الوجوه، وتهدأ القلوب، ويصبح الحوار أطول وأدفأ.

صوت المطر لا يطرب الأذن فحسب، بل يربّت على القلوب،

ويوقظ فينا شعورًا بأن الحياة، رغم قسوتها، ما زالت تمنحنا لحظات صفاء ونقاء.

 

الخريف أيضًا رسالة من السماء،

تقول لنا: “لا يزال في الحياة متسع للفرح، وللبدايات الجديدة، وللماء النقي الذي يغسل التعب.”

هو وقت للتأمل، وللتقدير، وللاعتراف بأن البساطة لا تزال قادرة على منحنا سعادة حقيقية.

 

ورغم ما قد يصاحبه من تحديات، من طين أو سيول،

يبقى الخريف في نظر السودانيين موسم الخير،

موسم الزرع، وموسم الأمل المتجدّد.

 

ومع كل عام، حين تتلبّد السماء بالغيوم،

وترتفع رائحة الأرض استعدادًا للمطر،

ننظر نحو السماء، ونتنفس عمق اللحظة،

ونقول في قلوبنا:

“الحمد لله على الخريف… على المطر… وعلى ما يوقظه فينا من حياة.”

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.