سودانيون

الفنان التشكيلي د. راشد دياب: (ديل ما بشر ديل حيوانات)!!

ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.

ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.

ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.

وضيف مساحتنا هذا اليوم هو الفنان التشكيلي د. راشد دياب، الذي تحسر على ضياع حصاد السنين بعد أن سرق الجنجويد كل ذكرياته ومقتنياته الثمينة ودمروا العاصمة، فكيف وصف لحظات خروجه من السودان:

(نجوم في الحرب).. سلسلة حوارات يجريها: محمد جمـال قندول

* أول يوم الحرب، أين كنت؟

في منزلي بالعمارات الخرطوم

* كيف تلقيت نبأ الحرب؟

استيقظت على أصوات رصاص مع ابني.

أجلتنا السفارة الإسبانية عبر مطار وادي سيدنا…

* ماذا كان شعورك في تلك اللحظة؟

(افتكرتها حاجة بسيطة وستنتهي).

* لكن ما انتهت حتى اليوم؟

(حتى الآن ما مصدق أنّ الحرب شغالة ويحصل العنف دا).

* كيف مر اليوم الأول؟

اليوم الأول مر بهدوءٍ وصمتٍ وحذر، ولكن في اليوم الثاني وقعت دانة في جامعة (عزة) بالقرب من منزلي.

* كم مكثت في العمارات؟

9 أيامٍ.

* لماذا اتخذت قرار المغادرة؟

اتخذت القرار بصعوبةٍ شديدة، وذلك بعد أن ساءت الأوضاع في المنطقة كلها، ونحن كنا من أواخر الناس المرقوا من الحي.

(ما تخيلت أمرُق من بلدي بالطريقة دي)..

* أين كانت الوجهة؟

أخرجتني السفارة الإسبانية وتم إجلاؤنا، حيث اتصل بي السفير ودعاني لمنزله وذلك لإجلائنا.

* غادرت مباشرةً لإسبانيا؟

نعم من مطار وداي سيدنا الحربي.

* هل كنت راضٍ عن الخطوة؟

كنت حزينًا جدًا و(ما اتخيلت أمرق من بلدي بالطريقة دي).

هذا ما رأيته عندما غادرت الخرطوم (…)

* مأساة عايشتها أيام الحرب؟

رأيتُ الدمار الشديد الذي لحق بالخرطوم وأنا في طريقي للمغادرة.

* حسرةٌ شديدة؟

حسرةٌ وألم.

* هذه حربٌ مختلفة عن سابقاتها؟

حرب المدن وكانت مفاجأة لا (من ناحية فكرية ولا فيها وعي).

كل أملي في الحياة فقدته مع الوطن فى الحرب..

* عادة فقدتها مع الحرب؟

كل أملي في الحياة فقدته مع الحرب وفقدت الوطن.

* ماذا خسرت في الحرب؟

سرقوا كل شيءٍ أهمّ شيءٍ عندي سرقوه (الجوائز، والميداليات ومكتبتي الخاصة).

* هؤلاء ليسوا بشرًا؟

(ديل ما بشر ديل أقل من كدا بكتير ديل حيوانات).

* هل سنعود قريبًا؟

اؤكد قريبًا سنعود منتصرين وأحيي الجيش وبسالته وقدرته على السيطرة حتى الآن، والتحايا للشهداء الذين ماتوا في سبيل معركة الوطن والمواطن.

* أكثر إحساس يؤلمك؟

حالة الضياع النفسي للسودانيين وعدم التقدير لهم من الشعوب التي كنا نحترمها ونقدرها.

* هذه الحرب هدمت الثقة بين الشعب والنخب؟

أنا بقولها بطريقة ثانية، أظهرت الجانب المظلم في العقل السوداني، وكذلك الأبرياء والحريصين على وحدة السودان وكرامته.

سرقوا اهم شئ عندي (الجوائز والميداليات ومكتبتي الخاصة)

* الشعب يُحمل النخب السياسية والأحزاب مسؤولية تأجيج الأوضاع؟

لم يكونوا كسياسيين قدر المسؤولية والحرب كشفت أنّهم يبحثون عن مصالحهم الذاتية على حساب الشعب وغير مؤهلين للدفاع عن السودان وتمثيله، وواحدة من نتائج الحرب أنّها كشفت القوى السياسية وضعفها جميعها بلا استثناء.

* مؤخرًا في السنوات الأخيرة، كان السياسيون الأعلى صوتًا، ألا تتفق معي بأنّ الثقافة والأدب والفن غابوا عن المشهد لتتمدد السياسة؟

لم يغيبوا وإنّما غُيبوا، وكان هنالك جهلٌ مركز لتعطيل الجانب الحيوي في الحياة السودانية مثل الفن، الذي يعد حياة الشعوب ويقاس رقي الشعوب بالفنون والفكر والعلم.

* هل للحرب فوائد؟

طبعًا فوائد كثيرةً جدًا ومن ضمنها: اكتشاف الإنسان السوداني ومعرفته بوطنه وقيمته، حتى الذين نزحوا ولجأوا اكتشفوا بأنّ السودان أوسع مما يظنون، والفائدة الثانية: تعزيز الانتماء الوطني والالتفاف حول الوطن.

عندما ركبت الطائرة من الخرطوم كأني أخرج من جنة الله في الأرض..

* وأنت في طريقك للمغادرة من العمارات لوداي سيدنا، ماذا جال في خاطرك؟

أشياء كثيرةً جدًا جالت في خاطري، والله عندما ركبت الطائرة كأني أخرج من جنة الله في الأرض.

* الذكريات؟

تركت كل التاريخ والتجربة والذكريات وطموحاتي في التغيير الاجتماعي من خلال مركز راشد دياب، والذي حاولنا عبره تغيير فهم السودانيين للأفضل، بالوحدة الفكرية والجمالية والإبداعية وتحقيق درجة إدخال الثقافة كمكون أساسي للهوية السودانية.

* (الهُوية) يظن كثيرون بأنّها أحد أسباب اندلاع الحرب؟

عدم وجود الخلاص الفكري للمجموعات العرقية في السودان من خلال التوازن الحقيقي والتوازن الثقافي لتكويناتهم وتصوراتهم الفنية التي تظهر في طبيعة الحياة من أن تكون جزءًا أساسيًا لكل هذه القبائل والشعوب السودانية من أجل التكاتف والتعاضد والعمل الجمعي من أجل بناء السودان الذي نحلم به.

* نقلاً عن صحيفة (الكرامة)

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.