سودانيون

ريماس الصينية تكتب نحو بناء مجتمع المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني: آفاق عصر رقمي ذكي جديد

ريماس الصينية تكتب نحو بناء مجتمع المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني: آفاق عصر رقمي ذكي جديد

أدت الثورة في تقنيات الإنترنت إلى إدخال البشرية إلى عصر المعلومات، حيث أصبح الفضاء السيبراني مجالا جديدا متداخلا مع العالم الواقعي، وأعاد تشكيل أنماط الإنتاج والحياة في الدول كافة، وجعل العالم مترابطا أكثر من أي وقت مضى. غير أن الجرائم السيبرانية، وتسريبات البيانات، والإرهاب الإلكتروني، باتت تشكل تهديدات مشتركة للبشرية جمعاء، إذ لا يمكن لأي دولة أن تبقى بمنأى عن هذه التحديات العالمية.
في هذا السياق، طرحت الصين قبل عشر سنوات رؤية استشرافية تمثلت في مفهوم “بناء مجتمع المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني”، وهي رؤية تقوم على أربعة مبادئ أساسية هي احترام سيادة الدول في الفضاء السيبراني، والحفاظ على السلام والأمن، وتعزيز الانفتاح والتعاون، وبناء نظام منضبط ومنصف في الإنترنت. ولتحقيق هذه الرؤية، اقترحت الصين “خمس مبادرات” عملية، من بينها تسريع بناء البنية التحتية العالمية للشبكات، وتعزيز المنصات الثقافية للتبادل الرقمي، ودفع الابتكار في الاقتصاد الرقمي، وضمان الأمن السيبراني، وبناء نظام حوكمة أكثر عدلا وإنصافا.

إن بناء هذا المجتمع لا يمثل مطلبا صينيا فحسب، بل هو تطلع مشترك للمجتمع الدولي بأسره. فهو يهدف إلى كسر النظام القديم الذي تستأثر فيه بعض الدول بهيمنة رقمية مستندة إلى تفوقها التقني، ويعمل على تصحيح اختلالات التنمية والحوكمة في الفضاء السيبراني العالمي، كما يوفر طريقا مشتركا أمام الدول لمواجهة التحديات العابرة للحدود مثل جائحة كورونا وبناء مستقبل أفضل للبشرية. إن جوهر هذه الرؤية يقوم على مبدأ واضح: شؤون الفضاء السيبراني يجب أن تدار بالتشاور بين جميع الدول، بحيث يتحقق “تقدم مشترك في التنمية، وصون جماعي للأمن، ومشاركة متكافئة في الحوكمة، وتقاسم للإنجازات”.
وفي عام 2023، ومع التسارع المذهل في تقنيات الرقمنة والذكاء الاصطناعي وتعقد الأوضاع الجيوسياسية، دعت الصين إلى الارتقاء بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني إلى مرحلة جديدة، ترتكز على أربعة اتجاهات رئيسية مترابطة. فالصين تدعو إلى التمسك بالتعددية ورفض الهيمنة السيبرانية، مؤكدة أن محاولات تشكيل “تكتلات حصرية” أو فرض “فصل تكنولوجي” تحت ذرائع “إزالة المخاطر” لا تؤدي إلا إلى تعميق الانقسام العالمي، في حين أن الحوار المتعدد الأطراف هو السبيل الأنجح لبناء التفاهم وتجاوز الخلافات. كما تدعو إلى الانفتاح والتعاون بدلا من الحواجز التقنية والاحتكار، لأن بناء “جدران عالية” في مجال التكنولوجيا لا يعيق سوى تقدم البشرية جمعاء. وتؤكد الصين على مبدأ الشمول والمنفعة المتبادلة بدلا من لعبة المحصلة الصفرية، فحيوية الفضاء السيبراني تقوم على الانفتاح والمشاركة، بينما تؤدي سياسات “الرابح يأخذ كل شيء” إلى الإقصاء وعدم المساواة، مما يهدد استقرار النظام الرقمي العالمي. كذلك، تشجع الصين على التشاور والبناء المشترك كطريق للتعاون الشامل، بحيث يكون الحوار وسيلة لحل الخلافات، والتعاون المربح للجميع هدفا، والتنمية المشتركة محركا، والأمن المشترك ضمانا لتحقيق فضاء سيبراني مزدهر وآمن للجميع.
على مدى السنوات العشر الماضية، شكل المؤتمر العالمي للإنترنت منصة محورية لترسيخ هذا التفاهم الدولي. فمن “الوثيقة المفاهيمية” لعام 2019 بعنوان “نحو بناء مجتمع المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني”، مرورا بـ”مبادرة العمل” عام 2020، وصولا إلى “الكتاب الأبيض” في عام 2022، نجحت الصين عبر هذا المنبر في تحويل الرؤية إلى خارطة طريق واضحة، ونتائج تعاون ملموسة. وأصبح شعار “نحو بناء مجتمع المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني” موضوعا أساسيا للمؤتمر العالمي للإنترنت، إيذانا ببدء مرحلة جديدة من هذا المشروع العالمي الطموح.
وفي ظل الثورة التكنولوجية والصناعية الجديدة، يتقدم الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات بسرعة غير مسبوقة، مما يعزز قدرات الإنسان على فهم العالم وتغييره، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات ومخاطر غير متوقعة. ومن ثم، ينبغي للمجتمع الدولي أن يغتنم الفرص التي توفرها الرقمنة والذكاء والابتكار، وأن يجعل الابتكار محركا مهما، والأمن خطا أحمر، والشمول قيمة إنسانية أساسية، من أجل تعزيز التنمية المبتكرة والآمنة والمستدامة في الفضاء السيبراني، والمضي معا نحو مستقبل أكثر إشراقا في عصر “الذكاء الرقمي”.
إن الصين ليست فقط مستفيدة من تطور الإنترنت، بل هي كذلك بانية للسلام، ومساهمة في التنمية، وحامية للنظام في الفضاء السيبراني العالمي. وفي المستقبل، ستواصل الصين تمسكها بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك في الفضاء السيبراني، وتعميق الحوار الدولي حول حوكمة الإنترنت، والعمل مع دول العالم كافة لبناء نظام أكثر عدالة وإنصافا في إدارة الفضاء السيبراني. وستسعى الصين مع شركائها الدوليين إلى جعل هذا الفضاء ساحة للتنمية المشتركة، والأمن المشترك، والمسؤولية المشتركة، والمصالح المشتركة، حتى تعود ثمار الحضارة الرقمية والذكاء الاصطناعي بالنفع على شعوب العالم أجمع.

* صحفية في CGTN العربية

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.